دموعك ياسعاد وذلك الكحل
بقلم الشاعر سعدى الشنون
نزلت تتهادى تجر قدميها بعناءٍ كبير كأنها عجوز تخطت الثمانين من عمرها لا يميزها في ذلك إلا طولها الفارع وقوامها الجميل تتأمل أشياءَها بذهول وعيناها الساحرتان.. سارحتان ضائعتان غابت عنهما الحياة إلا من بقايا كحل سال على خدين من لجين كجدولين أسودين كانت قد تجملت به قبل سويعات من الحين ربما قد أضاف لها مُسحةً من الحيوية وزادها جمالا فوق جمالها رغم آثار البكاء والدموع التي سفحتها عيون سعاد وهذا إسمها بينما كانت تستعد لان تُزَف لاحد الشباب الذي كان عليه أن يسعدها في هذه الليلة التي تسبق ليلة زفافها ولكنه لم يفعل.. إنه عبد العزيز الشاب الأسمر الطويل الممتلأ بجبهته البهية التي تطرز منتصفها طرة داكنة من أثر السجود أضفت عليه نورا ملائكيا بديعا والذي تشوب صفحة خده السمراء حمرة بديعة خصوصا في حالات التوتر والقلق وغالبا ما كانت تدعوه عزاوي كلما طاب لها ان تدلعه بغنج ومرح كبيرين وكان عزاوي او عبد العزيز يشعر بزهو وخيلاء وبإمتنان كبير لامثيل له وهو يرمق حبيبته التي أختارته دون بقية الصحب الذين تقدموا لها..إنها الوسامة والرجولة هكذا يحدث عزاوي نفسه ما دعاها لأن تختاره دون الجميع إلا أن حقيقة الأمر كانت ذلك الحياء الشديد لدى عبد العزيز وتلعثمه وحيرته وضياع الحروف من فمه حين يتحادثان في باحة الجامعة التي كانا ينتميان إليها هو الذي شغفها حُبّا به كما كانت تُخبر به صويحباتها كلما طاب الحديث عن الأحبة ..فقد انتهت سعاد الى رأي تراه جميلا بأن رجلها هذا هو صفحة بيضاء من العفوية والنقاء فبينما كان يفترس اصحابه بالحديث حين يجري عن السياسة وأمور البلد الأخرى تراه كالطفل البرئ المتلعثم امامها وكم كانت تضحك ملأ شدقيها بحنان تضيع فيها عينيها تحت اهداب طويلة آسِرة وهي ترى الحيرة والإرتباك في معاني وجهه الجميل وقطرات من العرق تنز خجلا من صفحة وجهه الأسمر فتكشف ضحكتها تلك عن أسنان مرصوفة بكل بهاء وجمال تجعله يتمنى أن تبقى هكذا تضحك إلى الصباح ولا يغادرها في زيارته التي خطط ان تكون سريعة لكنه يتدارك فيعتذر كثيرا لما ينتابه من نوبات الخجل المضحكة على الأقل بالنسبة اليها وهو يبحث عن الكلام..طالما ضاع من فمه الكلام..فيأخذ بالتمتمة بكلام غير مفهوم ويقفز هاربا من أمامها مابك ياأبو العز ..عزووووز وهي تضغط على مخارج الحروف بروح الدعابة والحب الذي تختصه به لوحده ألا زلت تخجل مني (لك عزووووز) ياحبيب بعد كل هذا الحب الذي أسكبه في عينيك يوما بعد يوم لازلت تخجل مني فيُومئ بالموافقة مع ابتسامة مقتضبة شاردة بينما كان يحدث نفسه ويح نفسي كيف سيحتمل هذا الجمال حماقتي كيف سأترك قمري وأعيش في ليل بهيم كيف سأعيش بدونك ياحبيبة العمر وهو ينظر اليها بحنان كبير شارد الخيال فاقد الاحساس بالزمان والمكان .. هييه تناديه سعاد اين سرحت أنا أحدثك هيا ماذا دهاك عزوزي فتأتي عليه مشفقة لتمسح جبهته الخجلى براحة يديها وتمسك إصابع يديه تقبلهما بحنان وابتسامة دامعة تغلف هدبيها الطويلين الناعسين نحن ياعزوز بحكم المتزوجين ماذا دهاك مابك بالله عليك إجلس إجلس أرجوك وإسترخي فلدي مفاجئة لك ستطير لها فرحا فقد حصلت على عمل ..نعم هيا إضحك لقد إستطاع أخي ان يقنع احد أصحاب المخابز ان تعمل معهم بأجر كبير خيرا لك من أعمال البناء المرهقة والمتعبة ياحبيبي هيا هيا إمرح يارجل واترك تلك التقطيبة المخيفة ياإلاهي ..ماهذه الحواجب المخيفة أسد انت..؟ وحش انت ..؟بهذه الحواجب الكثة لا أدري ماذا أعجبني فيك أو جذبني اليك لكنني غبية أقسم أنني غبية ومجنونة أيضا فتجلجل المكان بضحكة رائعة من أعماقها فتفصح عن ثغرٍ يكتظ انوثةً بارزا جمالها وهي تحاول إصلاح ربطة عنقه مختلسة النظر اليه بشزرة أخاذة إختصها الله سبحانه لحواء فقط تحاول سبر أغوار روحه الشاردة ولكن عبثا تحاول ان تخرجه من حزنه الكبير ..نظر عزاوي اليها نظرة حائرة بعين غائرة مردفا.. خباز ياسعاد هل أعمل خبازا ؟وانا حاصل على ماجستير بإمتياز في الادب العربي لا لا ..لايمكن ذلك أبدا ياسعاد ارجوك إنسي ذلك..سأتدبر الأمر نعم سأتدبره وحدي وهو ينظر اليها بحنان وقد وضع كلتا راحتيه على خديها العاجيين وهي تنظر اليه بعينين دامعتين يلفهما الضباب لترى ايضا دموعا محتبسة بعيني حبيبها الذي عاجلها بقبلة حرّى.. خجولة.. عجولة نعم دموعا تائهة تبحث عن فرصة لتنهمر وقد حدث.. فامتزجت دموعهما وبينما كان يسمع نشيجها وقطرات الدمع التي تندلق على كتفه كانت دقات قلبه القابع في صدره العريض تدق كطبول الحرب في أذنيها الصاغيتين التائهتين ولم تعلم سعاد حينها انها قبلة الوداع فقد عزّ عليه ان يغادرها دون أن يقبلها قبلة لايعلم بعدها هل يعود ام لا ؟حتى هي..لا تعلم شيئا إلا بعد ان قرأت رسالته نعم فقد ترك لها رسالة وهو يغادر.. طلب منها ان تقرأها يشرح فيها لواعج صدره ويستسمحها.... اي سعاد
يامهجة القلب ياروعة الحب ياشريكة دربي وعمري..ياضوء القمر..
لن أخذلك ابدا بيد أني ويشهد الله منذ البارحة لم أنم اتقلب في فراشي كأني اتقلب على جمرٍ مشتعل فأنا ياسعاد كما تعلمين الأول على دفعتي وحاصل على الماجستير في الادب العربي وصدف ان إتصل بي احد اصدقائي من كندا يبشرني انني بأمكاني المجئ الى كندا للعمل بمعاهدها لتدريس اللغة العربية بأشراف الجالية العربية المصرية بعد ان قرأوا سيرتي الذاتية والعلمية ووافقوا عليها...لقد وازنت الأمر ياحبيبتي بين ان اتركك تعيشين معي على حياة الكفاف او أن تعيشين حياةً سوية كباقي النساء إنك حتى لم تطلبي مني هدية بسيطة أشفاقا علي وها هي سنتان انقضت منذ الخطوبة لليوم لم استطع فيها تحسين حالتي.. ولا بارقة من أمل أعزي بها نفسي حتى زواجي وليلة عرسي كانت هي كل مدخراتك اهديتها لي ليتم الأمر لا ياحبيبتي وإن كنت ستقولين عني نذلا جبانا لن الومك لأنني أثق في نفسي كما أثق بك وبحبنا بأني لن أخذلك إنها سنتان فقط وينتهي كل شئ هذا هو شرطهم الوحيد بعدها استطيع ان آتي بك الى كندا لقد آثرت ان أتخذ القرار الصعب بنفسي وان اتحمل لوحدي نتائجه ومرارة العيش بدونك فلا يمكن ان أخبر اهلك بالأمر قبلك لاني واثق انهم سيرفضون الفكرة التي هي هدية السماء..
ياسعاد ياحبيبة القلب لا مستقبل لي في البلاد لقد انهكني عملي في البناء وأنا ارفع الطابوق والأسمنت الى السطوح أرجوك ثقي بي فقط لاني احتاج دعائك ياحبيبتي ستحزنين ستشعرين بخيبة أمل كبيرة ولكن ياسعاد لابد من التضحية فنحن جيل لم نخلق الا للتضحية والحرمان أقنعي أخوانك بالموافقة لاني اعلم مدى تشددهم بوجوب ان تبقى نساءهم في الديار ولا يغادرن خارجه لكنها الحياة هكذا علمتنا الحياة ان لانأكل خبزنا الا مغمسا بالدموع والعرق ارجوك ثقي بي فجرحي عميق وتعلمين انك قلبي الذي بين جوانحي ولم اتخذ قراري إلا لاجلك لن تندمي ارجوك ثقي بي لن تندمي ..سأغادر بعد أسبوع كل شئ جاهز بفضل صديقي الصدوق.. خلال هذا الاسبوع ارجوك اعلميني بموافقتك ومباركتك ليتسنى لي ان آتي لأهلك لأشرح لهم بان قرار تأجيل الزواج هو لصالحنا كفانا جوعا وحرمانا فلا أريد ان اعمل خبازا طوال حياتي ارجوك ياعزيزتي باركي لي ووافقي وإسعديني ولاتنسي ان تشكري لي أخوك أحمد فقد سعى طويلا ليحصل لي على عمل ولكني لن أعمل خبازا أموت ولا اكون خبازا قبلتي لعينيك سأشتاق لك كثيرا يا مهجة القلب ياروعة الحب...عبد العزيز
لم تستطع سعاد الوقوف طويلا على قدميها من ثقل المفاجئة الصادمة بكت بصمت وهي في ليلة حناءها كيف ستواجه الأمر كيف ستخبر إخوانها.. صويحباتها.. جيرانها ولكن صدى كلماته كان مجلجلا فكلام القلوب الحانية غالبا ما تسمعه القلوب الصافية فكفكفت دموعها ونزلت تتهادى تجر قدميها بعناء كبير كانها عجوز في الثمانين لولا كحل كان يسيل قبل قليل اظهر كم جميل ذلك الوجه ..الذي أشرق بإبتسامة جميلة نعم أثق بك ياعزوز فانت ايضا قلبي الذي بين جوانحي واشعر بما يعتلج بصدرك من الم وأمل كبير احبك ياعزوز يامهجة القلب ياروعة الحب.. فأزداد اشراقا ذلك الوجه الجميل يزينه خطان من كحل قديم سالا على خدين من لجين..قبل سويعات من الحين
سعدي الشنون