[ صَديقُ اللَّيلِ ] على الوافر
بقلم الشاعر أبو نعيم الشعبي
كَفى صَمتـاً؛ فَقَد بَـرِحَ الخَـفــاءُ
وحـانَ البَــوحُ واقـتَـرَبَ الجَــلاءُ
إلامَ ؟ تَـظَّــلُّ يـا ذا الـوَجـدِ نــائٍ
مَـعَ الأتــــراحِ يَـعــزُلُـكَ اخـتِــلاءُ
وتُطوى بالهوى في كَهفِ صَمتٍ
تُـواري الدَّمـعَ؛ شِيمَـتُـكَ الحَيــاءُ
وما يُـغـنِـي السُّكُـوتُ وقَد تَـراءى
عَـلَـى عَـيـنَـيـكَ واتَّـضَـحَ العَـنــاءُ
كَتَـمـتُ الحُـبَّ لَكِن دُونَ جَـدوى
فَـمـا أُخـفِـيـهِ يَفـضَحُــهُ البُـكـــاءُ
تَحاشَـيتُ الـوَرى وفَـرَرتُ عَنهُـم
وظَـنِّــي أنَّ فـي هَـــذا غِــطــــاءُ
حَـسِبـتُ الحَــالَ تُـخفِـيـهـا أنــاةٌ
وأنَّ الـدَّمــعَ يُـحـجِــبُــهُ اتِّـقــــاءُ
وأنَّ الغَــمَّ يَـكـشِــفُـــهُ سُـكُــونٌ
وضِيـقَ الهَــمِّ يُـفـرِجُـهُ انـتِـحــاءُ
فَمـا أفلَـحـتُ في ظَّـنِّـي ولَـكِــن
أُخِــيـبَ الظَّــنُّ وازدَادَ الشَّـقـــاءُ
وأنـكَـرَنِي الصَّدِيـقُ وقـالَ: مالِـي
أراكَ وأنـتَ يَـصـرِفُــكَ الجَـفـــاءُ
تُـطِـيلُ الصَّـمـتَ إغـراقـاً ويَـبدو
عَلَيكَ الحُـزنُ لَـيسَ لَـهُ انـتِـهــاءُ
وقَـد أطـرَقـتُ حـتَّـى قِيـلَ عَنِّي:
سَقِـيـمُ النَّـفـسِ أعـيـاهُ انـطِـواءُ
فَلَـم أحفِـل بِـمـا قـالُـوهُ سُخـطـاً
لإنَّ الصَّـمــتَ والإعــيــا سَـــواءُ
ولَـو أنَّ ابـتِــلائِــي كــانَ سُـقـمـاً
لَـهـانَ السًُّـقــمُ واسـتَـنَّ الـبَــلاءُ
ولَـكِــنَّ اضطِــرابَ الصَّـبِّ نَـــارٌ
وآهٌ لا يُــسَــكِّـــنُــــهــــا الــدَّواءُ
وَلِـي قَـلــبٌ يُـرَفــرِفُ في الحَنـايـا
مَشُـوقــاً هاضَ جَنـحَـيـهِ اجتِــواءُ
ثَــوى وكَــأنَّـــهُ لِلـعِـشــقِ عَـبــدٌ
يُـضَعضِعُـهُ الغَــرامُ كَـمـا يَـشــاءُ
فَمِـن سَـوطِ الحَنِــينِ لَـهُ عَــذابٌ
وفـي الأشـــواقِ يَـمـهَـنُـــهُ ازدِراءُ
فَمـالِــي فـي الهَــوى أُنـقـــادُ ذُلاً
وعِنـدَ الضَّـيـمِ يَنـصِفُـنـي الإبـــاءُ !؟
كأنَّ الصَّـبَّ ألقى القَـلـبُ عَـمـداً
بِـهِ حَـيـثُ المَـهــالِـكُ والفَــنـــاءُ
كَـأنِّـي فـي الجَــوى صَــادٍ بِـقَـفــرٍ
بِـهِ عَـطَــشٌ، ولَـيـسَ لَـدَيـهِ مـــاءُ
يُـنــادي اللَّـهَ سِـرّاً حِـينَ ضـاقَـت
عَـلَـيــهِ الحَــالُ وانـقَـطَـعَ الـرَّجــاءُ
كـأنِّــي طــائــرٌ في كَـفِّ طِـفـــلٍ
يُـعَــذِّبُــهُ، ولِلـطِــفـــلِ التِــهـــاءُ
يَـظَــلُّ يُـرَدِّدُ الآهــــاتِ شَـدواً
وذاكَ الطِّـفـلُ يَـطـرِبُـهُ الغُـنــاءُ
ولَـيـلٍ بِـتُّ أصحَــبُــهُ وجَـفــنـي
قَــرِيــحٌ لا يُـفــارِقُـــهُ البُــكــــاءُ
كَـأنَّ اللَّـيـلَ أصبَـحَ لِـي صَدِيـقــاً
وبـالتَّـسهــادِ يَجمَـعُــنـي الإخـــاءُ
أُشــارِكُـــهُ بِـآلامِـــي ويُـصـغِـــي
إذا مــا نــاحَ لِلـقَـلــبِ اشتِـكـــاءُ
فَمَـن لِلـمُـستَـهــامِ وقَد تَـمــادَت
بِــهِ الأحـــزانُ واشـتَــدَّ العَــنــــاءُ
عَـفـا الرَّحـمَــنُ عَـن رَشـأٍ بَـلانِـي
وأمـسـى وهـوَ يُـغـبِـطُـهُ الـهَـنـــاءُ
بِــداءٍ لا شِـــفـــــاءَ أوَدُّ مِــنـــهُ
ولَـكِـــن حَــبَّــذا مِـنــهُ البَــقـــــاءُ
________________
شِعر: أبو نعيم الشعبي