"بردة ليلى"
بقلم الشاعر شهم بن مسعود
جَاءَ الحبِيبُ بِبَالِي فَاسْتَوَى قَلَمِي
يَهْمِي و يَنْزِفُ شِعْرًا زَادَ مِنْ أَلَمِي
ذَكَرْتُ رِيمًا كَنُورِ البَدْرِ طَلْعَتُهُ
فَرُحْتُ أَبْكِي كَسِيرَ القَلْبِ فِي الظُّلَمِ
رِيمٌ عَصِيٌّ لَهُ عَيْنٌ مُكَحَّلَةٌ
يَرْمِي سِهَامًا مِنَ الأَحْدَاقِ كَالحِمَمِ
قَدِ اقْتَرَبْتُ و قَلْبِي غَيْرُ مُنْتَبِهٍ
فَإِذْ بِقَلْبِيَ بِالهُدْبِ المُمِيتِ رُمِي
سَأَلْتُهُ ما اسْمُهُ حَتَّى أَجَابَ وَ لَمْ
يُفْصِحْ بِشَيْءٍ سِوَى "لَيْلَى" فَبِتُّ ظَمِي
ذُقْنَا هَوَاهُ و قَدْ رُمْنَا الوِصَالَ فَلَمْ
يَصِلْ مُتَيَّمَهُ المَكْوِيَّ بالضَّرَمِ
أَجَابَ أَعْرِفُ مَا تَلْقَاهُ مِنْ وَلَهٍ
و لَسْتَ عِنْدِيَ يَا هَذَا بِمُتَّهَمِ
لَكِنْ سَكَنْتَ بِهَذِي الأَرْضِ مَغْرِبَهَا
و أَرْضِيَ الشَّامُ أَرْضُ العِزِّ و الهِمَمِ
بَيْنِي و بَيْنَكَ بُعْدُ الخَافِقَيْنِ فَإِنْ
أَقْرُبْ لِأَرْضِكَ لا يَرْضَى ذَوُو اللِّمَمِ
فَقُلْتُ و اللهِ يَا لَيْلَى سَأُقْنِعُمْ
و إِنْ هُمُ رَفَضُو هُمْ يَسْفِكُونَ دَمِي
سَيَعْلَمُونَ بِأَنِّي أَشْوَسٌ أَسَدٌ
و الأُسْدُ تَعْرِفُ بَعْضًا حِينَ مُلْتَحَمِ
لَيْثٌ هِزَبْرٌ تَحَاشَانِي الكُمَاةُ و قَدْ
عُرِفْتُ و اللهِ بِالأَفْعَالِ لَا الكَلِمِ
قَالَتْ فَلَا تَعْجَلَنْ يَا لَيْثُ واصْطَبِرَنْ
إِنَ التَّعَجُّلَ قَدْ يُفْضِي إِلَى النَّدَمِ
إِنْ يَمْرَضِ القَلْبُ أَيَّامًا لِفُرْقَتِنَا
فَعَلَّ يُشْفَى بِقُرْبٍ غَيْرِ مُنْصَرِمِ
مِنْ بَعْدُ وَلَّتْ و فِي الأَحْشَاءِ حُرْقَتُنَا
و النَّارُ إِنْ صُبَّ فِيهَا الزَّيْتُ تَصْطَلِمِ
بَانَتْ فَبَاتَ الأَسَى يَقْتَاتُ مِنْ كَبِدِي
و بَانَ فَي الوَجْهِ آثَارٌ مِنَ السَّقَمِ
فَيَالَهُ مَنْ غَزَالٍ غَيْرِ مُكْتَرِثٍ
بِي إِنْ حَيِيتُ أَوْ إِنْ ظُلْمًا أُرِيقَ دَمِي
قَدْ جِئْتُ أَشْكُو لَكَ الأَوْجَاعَ مِنْ شَغَفٍ
فَارْفَقْ بِصَبٍّ أَيَا خَصْمِي و يَاحَكَمِي
بَيْنِي و بَيْنَكِ يَا لَيْلَى البِحَارُ فَإِنْ
لَمْ أَسْتَطِعْ قَطْعَهَا فَالرُّوحُ فِي وَصَمِ
هَجَرْتُ أَهْلِي و أَصْحَابِي جَمِيعَهُمُ
ثُمَّ اعْتَزَلْتُ كَأَنِّي قَاطِعٌ رَحِمِي
يَا لَائِمِي فِي هَوَى لَيْلَى ظَلَمْتَ فَلَوْ
تَدْرِي أَفَاعِيلَهَا بِاللَّيْلِ فِي الحُلُمِ
تَسْقِيكَ كَأْسًا بِهِ خَمْرٌ مُعَتَّقَةّ
مِنَ الغَرَامِ فَلَوْ تُسْقَاهُ لَمْ تَلُمِ
قَدْ هِمْتُ فِي أَرْضِهَا و الكُلُّ لَائِمُنِي
فَلَا تَلُمْ مَنْ يَهِمْ إِنْ أَنْتَ لَمْ تَهِمِ
شَامِيَّةٌ حُرَّةٌ شَمَّاءُ شِيمَتُهَا
القِرَى و مَنْ غَيْرُهَا لِلْجُودِ و الكَرَمِ
و الأَهْلُ أَبْطَالُ هَيْجَاءٍ سَمَادِعَةٌ
أَعَزُّ قَوْمٍ و أَنْقَاهُمْ مِنَ التُّهَمِ
كَمَا اللُّيُوثُ بِسَاحَاتِ الوَغَى انْطَلَقَتْ
عُرْبٌ مَغَاوِيرُ لَيْسُوا مِنْ بَنِي العَجَمِ
بِيضُ الوُجُوهِ كِرَامٌ طَابَ مَعْدَنُهُمْ
لَهُمْ شُمُوخٌ و سُورٌ غَيْرُ مُنْهَدِمِ
عَلَى الجَمِيعِ تَرَى صَلْبًا قَنَاتُهُمُ
وَ لا شُجاعَ يُرَى مِنْهُمْ بِمْعْتَصِمِ
لَمْ يَرْتَضُوا الحَيْفَ و الإِذْلَالَ مِنْ أَحدٍ
فَخَيَّرُوا المَوْتَ مِنْ جُوعٍ عَلَى السَّلَمِ
بِنْتُ الحَرَائِرِ حَوْرَا..العِزُّ طَوَّقَهَا
أُخْتُ الكَوَاسِرِ سُكْنَاهَا عَلَى القِمَمِ
رَقِيقَةُ الطَّبْعِ مَعْ حِلْمٍ يُزَيِّنُهَا
فَإِنْ تُغَاضِبْكَ تَلْقَ اللَّيثَ فِي الأُجُمِ
هَيْفَاءُ نَاعِمَةٌ شَيْمَا مُنَعَّمَةٌ
فَلَا مَثِيلَ لَهَا فِي أَفْخَمِ الأُطُمِ
أَذُوبُ عِشْقًا إِذَا فِي وَجْهِيَ ابْتَسَمَتْ
سُبْحَانَ خَالِقِهِ مِنْ عَذْبِ مُبْتَسَمِ
خَيَالُهَا طُولَ عُمْرِي لا يُفَارِقُنِي
والقَلْبُ يَذْكُرُهَا فِي الحِلِّ و الحَرَمِ
أَظُنُّنِي لَسْتُ أَنْسَاهَا و هَلَّتَهَا
حَتَّى أُوَارَى الثَّرَى مِنْ شِدَّةِ الهَرَمِ
لَسَوْفَ أُنْشِدُ فِيكِ انْ طَالَ بِي عُمُرٌ
مَا لَمْ يَقُلْهُ زُهَيْرٌ فِي سَنَا هَرِمِ
إِذَا تَخَيَّلْتُ أَنِّي لَسْتُ طَائِلَهَا
تَقَاطَرَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنِي و لَمْ أَنَمِ
مَا الدَّهْرُ يَشْفِي فُؤَادِي مِنْ صَبَابَتِهَا
أَئِنُّ شَوْقًا و مَا جُرْحي بِمُلْتَئِمِ
جُنِنْتُ مِنْ حُبِّ لَيْلَى ظَبْيَتِي فَمَتَي
أَرى بِلَيْلِيَ فَاهَا لَاصِقًا بِفَمِي
هِيَ المَلِيكَةُ دَوْمًا فِي الشَّغَافِ لَهَا
جَيْشٌ عَظِيمٌ مِن الخُدَّامِ و الحشَمِ
لا تَنْصَحُونِي فَإِنِّي غَيْرُ مُنْتَصِحٍ
رُوحِي تُلَاحِقُهَا و القَلْبُ فِي صَمَمِ
و لا أَرَى غَيْرَهَا فِي القَلْبِ سَاكِنَةً
و لَسْتُ عَنْ حُبِّهَا يَوْمًا بِمُنْفطِمِ
شهم بن مسعود ١٦/٠١/٢٠٢١