ضجيج الرحيل
بقلم الكاتبة إسلام محمود النويري
ليلة عارية
خلعت ثوبها المرصع بالنجوم
وتاجها الذي يحمل القمر
وجلست القرفصاء
عيونها ذابلة
وشفتيها يابسة
وشعرها أشعث أغبر
تحمل بين يدها
أمنيات اندثرت
____
كانت تمشي بخطوات عرجاء
بهت كل من رأها
فقد فقدت جمالها
حتى ظنوا إنها أصبحت
حمقاء
وصلت إلى المقبرة
جلست عند قبر أحدهم
سمعت الأرض صوت نواح
سألتها : هل لكِ حبيب؟!
أجابت : بل
يقبع في جوفكِ
كان يسهر معي
حتى انبلاج الصباح
في يومٍ أتى لي بخبرٍ
شق فؤادي إلى نصفين
وأدمى روحي
لقد أخبرني أنه مصاب بالسرطان
وهذا هو حلمه الذي كان يود تحقيقه
لقد لفه في ثوب من حرير وأهداني إياه
ذرفت الأرض دموعها ففاضت الأنهار والبحار،وانتفض جسدها محدثاً زلزالاً فعم الدمار، قبل أن تهدأ قائلة :
لم أكن أعلم
لقد سرقته منكِ دون أن أدرك الأمر
لكنه في جوفي نائماً مطمئناً هادىء البال
أطلقت الليلة تنهيدة
-لقد نهش السرطان جسده
و أكله بشراهة
لقد كان فتىً مفتول العضلات
قوي البنية
قبل أن يزوره ذلك الضيف
غير المرغوب فيه
كم رأيته ينثر الكلمات على الورق
مُحدثاً لوحة فنية
كنت أسأله دوماً عن تلك الحروف
لأني لم أكن أفقه رموزها فقد كانت مبهمة
كان يضحك ويقول : إنه حلمي
لكن في لحظة أتى الموت زائراً
رحب به بعدما اشتد وجعه
وعجز عن تحمله
لقد رحل وترك لي وصية
هنا ساد المكان سكون والرؤوس منكوسة كأن الطير عليها يكاد يتخطّفها، كلٌ سارحٌ في عالمه :
السماء
النجوم
الزهرة
الشجرة
الحجارة
الطير
الكتب
الورق
الفنجان
المقعد
كلٌ في حدادٍ، متوشحُ السواد، لقد كانت تلك الأشياء تفاصيله المحببة، غادرها بصمتٍ، دون وداع...
|《 إسلام محمود النويري》|