🗻حكايتي مع البحر
بقلم الكاتبة لطيفة ناجي
البحر وأنا قصة عشق سرمدي، عشق لم تذكره قصص الخيال ولا تردد على ألسنة العشاق. قصة تعود أحداثها إلى أمد بعيد متجذر في أعماق الماضي الدفين بين دفتي الحنين، صور مثل شذرات، تمتزج فيها الألوان و المعالم، والزمان والمكان، تتراءى لي بين الفينة والأخرى واضحة، معتمة أو باهتة مبهمة،ماعدا صورة البحر، وحدها لم يقو عليها جور الزمان ولا ألهبتها نيران البعاد التي تلتهم الصور والذكريات وتشعل جذوة الحنين تلسعنا ألسنتها المحرقة المنبعثة من تحت الرماد.
البحر، ذلك الفضاء المترامي الأبعاد،المتغير الألوان ببن أزرق وأخضر أو رمادي ، بهجة للناظرين مع إشراقة الصباح ، ومتعة العاشقين عند الأصيل الفتان وملهم الشعراء عندما يعانق القمر الأحمر ، خجل المساء. البحر وحركة الأمواج ما بين مد وجزر وذهاب وإياب ، وأنا ، لوحدي، حافية القدمين، ساهمة، على الشاطيء أتابع رقصاتها الساحرة، هادئة، تتهاوى بحنو على الرمال أو صاخبة ترتطم بالصخور لترسم برغوتها صورا تعجز عن نسجها ريشة فنان. البحر وقصصه الغريبة الأطوار، فيه الرزق والكسب لمن قرأ الأمان وصلى وسلم على النبي العدنان، البحر وقصص مغامرات الشبان، والحلم ببلوغ ضفة الأمان ، وفرحة الوصول إلى أرض خالوها قطعة من جنان، وشبه وطن يوفر لهم حقوقا و يعوضهم عن الحرمان. البحر وحكايات عرائسه بجمالها الفتان، والتي تسلب البنان حين تصدر أبهى الأنغام لتغري بها كل عاشق ولهان ، البحر وعبرات الثكالى و الأرامل حين لا تعود المراكب إلا ببقايا أخشاب وأسمال. البحر وطفولتي الغابرة وأنا أضحك ببراءة، وسعادتي حين تهدم الموجات قصورا شيدتها من رمال، البحر وقواقع الصدف التي تحكي قصص السندباد والحروب ومعارك الرجال، البحر وهمساته في ليالي السمر واللقاءات تحت جنح الظلام، وكل تلك النظرات المشعة بالآمال و التي تذكي حبا يزول مع هبوب أولى نسمات الصباح. البحر وأنا ،حين أسبح بفكري بعيدا، هناك في الأفق حيث أدفن كل أشجاني وأحظى بالنسيان، البحر وحده يحس بي، ويرأف لحالي ، يؤنسني وينسيني وحدتي ،يتحدث إلي ، يضحكني و يبكيني،يسعدني و يشجيني وحين أتعب من مجاراته، ينصحني بأن أعود إلى بيتي، إلى واقعي.
تأملات مخملية
بقلم لطيفة ناجي