الأحد، 3 أكتوبر 2021

Hiamemaloha

إضاءات نقدية للأديب جمال عتو

 إضاءات نقدية بقلم الأديب جمال عتو 

نلتقي مرة أخرى في فقرة " إضاءات نقدية " بمنتدى نبض القلم متناولين نصا قصصيا قصيرا " عندما تبكي الأرض " للكاتب اليمني أحمد محمد إدريس .

النص يحكي عن طفل ابن الثامنة يدرس في الصف الثاني الابتدائي يدعى " أكرم " كان يرافقه والده إلى المدرسة ، وبعد حوار ودي جميل أظهر فيه أكرم حبا لوالده واشتياقه البحر أعقبه تقبيل و تعانق سمعا دوي الرصاص ليتبن لهما أنه صادر عن فرقتين مسلحتين متقابلتين ، ولأن أكرم ووالده كانا في طريقهما إلى المدرسة فقد وجدا نفسيهما عالقين ، مما حدا بهما إلى الاحتماء بجدار ، وأثناء توقف الدوي العابر آثر والد أكرم أن يسرعا الخطى هروبا من المكان الخطير إلا أن الرصاص المتبادل تواصل هذه المرة لتصيب رصاصة طائشة رأس الطفل أكرم وترديه قتيلا ساقطا على الأرض بدماء نازفة من فمه وأنفه وأذنيه ، ذهل الأب وصار يخاطب ابنه مطالبا له بالنهوض ومواصلة المسير إلا أن الطفل كان قد رحل بروحه عن الأرض تاركا محفظته المدرجة بالدماء ، حمل الأب ابنه وهو يصرخ بلوعة وألم وقد أخذته لحظات من النقمة البالغة على أولئك المسلحين الذين كانوا يطلقون الرصاص في لهو ولم يعيروا أي اهتمام لطفل في زهرة العمر ، اتجه به إلى البحر تحقيقا لأمنيته التي طالبه بها قبل قتله بلحظات مخاطبا إياه أنه قد وفى بوعده وأتى به ميتا بعدما أراد أن يأتي به حيا .

حمل الأب ابنه أكرم ليطوف به في الشوارع ومن خلفه حشد من الناس يسيرون وهو : " أيها الناس إن دم ابني أمانة في أعناقكم.. أيتها الأرض الطيبة إن دماء أكرم التي تنساب على ترابك لهي خير شاهد على أن أكرم كان يحبك وانك أنت أيتها الأرض من ستأخذي بثأر طفلي الشهيد أكرم الذي مات صامتاً.. وهنا تبكي الأرض على أبنائها " .


نص الكاتب أحمد محمد إدريس اشتغل على مفهوم الطفولة في بلد تعصف به أوضاع غير آمنة ينعدم فيها الاستقرار والسلام ، فنحن هاهنا أمام جماعتين مسلحتين متقابلتين تلهوان بإطلاق الرصاص كما يلعب أحدهم بالأعيرة في مكان خاص ، بيد أنه كان بين المجموعتين طفل في مقتبل العمر يرافقه والده إلى المدرسة ذات صباح ، أكرم التلميذ الجميل المملوء حبا في الحياة وأملا في غد أفضل ، سيعصف بأحلامه عبث المسلحين وترديه قتيلا بين يدي أبيه ويسقط مدرجا بالدماء ، محفظته المدرسية ستستقبل دماءه المنزوفة من رأسه وأنفه وأذنيه بعدما كانت على موعد مع المدرسة والفصل والمستقبل المفتوح ، نحن أمام نص فيه من المتقابلات حد النقيض لتصنع منه أقانيم مؤسسة لمجتمع شاد بكل المقاييس ، طفل مقبل على المدرسة والحب والأمل والعفوية والاشتياق إلى البحر ، وأب محب عاجز عن إنقاد ابنه وتحقيق له حياة آمنة ، ومجموعتان تعبثان بالسلاح وتطلق الرصاص بدون وازع إنساني أخلاقي يذكر .

النص يسلط الضوء على مجتمع عندما يفتقد إلى سيادة القانون ويصير مرتعا للفوضى والعبث وانعدام المسؤولية وغياب الوازع الإنساني ، فالحروب عندما ترخي بظلالها على الأرض تصبح عرضة لاغتصاب كل جميل وإن كنا هاهنا في النص لم نقرأ حربا إلا أن عبث المسلحين هو نتاج حتمي لذلك ، فانعدام الأمن نتاج ذلك ، وعدم المبالاة والاهتمام أيضا نتاج ذلك .

الطفل أكرم قبل نهاية حياته برصاصة مجنونة يبوح لأبيه بأمنية بسيطة بساطة روحه ، جميلة جمال نفسه ، بهية بهاء محياه ، يبوح له باشتياقه إلى البحر ، بعد قتله يحمله أبوه إليه محققا لأمنيته ، لم يستطع الأب الأعزل أن يحمي ابنه من موت مفاجئ ويحقق له الحياة لكنه استطاع أن يحمله ميتا إلى البحر ، ذاك ماكان في وسعه أمام لوعته وذهوله وألمه وصراخه ، فوطأة العجز تكون أشد وأثقل عندما لا تستطيع تحقيق أمر في حياة من تحب ، سوى أن الأب سيظهر في النص عاكسا للحظة العميقة عندما يصرخ مخاطبا : " أيها البحر فاشهد ، أيتها الأرض فاشهدي ، أيتها الجبال اسمعي ، أيها الناس اسمعوا ، لم يكن أكرم سياسيا ولا كان معارضا ولا عسكريا ، لم يكن يريد منصبا ولم يكن قادرا أن يؤذي أحدا ، بل كان يريد أن يذهب إلى البحر " ، ليختزل لنا وضع الأرض الذي يعيش عليه ، وضع لم يسمح لطفل أن يعيش الطفولة ويذهب آمنا إلى البحر .

نص الكاتب أحمد محمد إدريس اشتغل على مفهوم الغموض والمستقبل المفتوح على كل الاحتمالات في ظل الفوضى والعبث وانعدام الوعي ، واشتغل على مفهوم اغتصاب الطفولة والبراءة ، واشتغل على مفهوم عجز الأب ، والأحلام الموؤودة .

استجاب النص لعناصر القصة من بداية ونهاية وزمان ومكان وشخوص وحوار عميق دافئ .

ويبقى هذا النص عميقا في معناه مادام اشتغل على موضوع حاضر على مر العصور والأزمان ، موضوع الضحايا الذين لا دخل لهم في تجاذبات عاصفة .

نلتقي في الأسبوع القادم مع نص آخر وورقة أخرى .

إلى ذلك الحين نستودعكم الله .


____________________------------____________________


قصه قصير..(عندما تبكي الارض)

------------------


كان اكرم أبن الثامنه والذي يدرس في الصف الثاني الابتدائي فتى جميل الوجه، وذات صباح خرج أكرم من المنزل وهو ممسك بيدي والده، قاصدين المدرسة التي يتعلم بها أكرم، وهما يسيران قال أكرم: إني احبك يا أبي، فرد الأب: وأنا أيضاً، فقال أكرم : ولكن أنا أكثر يا أبي فاكتفى الأب بالابتسام، وفجأة قال أكرم: أبي هل ستأخذني إلى البحر في نهاية عطلة الأسبوع، فرد الأب قائلاً: نعم، فاستطرد أكرم: وهل هذا أكيد يا أبي، فرد الأب أكيد إذا شاء الله تعالى، فقال أكرم: أني أريد أن أقبلك يا أبي، فتعانقا في الطريق كأنه العناق الأخير مما جعل الأب يتوجس ويشعر بأن شيئاً ما سيحدث .

وبينما هما راجلان في طريقهما إلى المدرسة سمعا دوي رصاص، فتوقف الأب عن السير خوفاً على ابنه، وبينما هما كذلك رأى الأب فريقين كل منهما يحمل السلاح، هذا الفريق في بداية الطريق وذاك في نهايته، وكل منهما يلهو كأنهما في نزهة للصيد، ظل الأب وابنه عالقين بين المسلحين، فاحتمى الأب وابنه بجدار في منتصف الشارع حتى لم يعد يسمع طلقات الرصاص فأراد الأب أن يستغل ذاك الهدوء وهو ممسك بيدي ابنه وفي اليد الأخرى حقيبة أكرم المدرسية وفجأة قال الأب : هيا نجري يا أكرم.. فظلا مسرعين حتى سمع الأب طلقات رصاص مرة أخرى وإذ به يرى أن رصاصة قد أصابت ابنه أكرم في رأسه وإذا بالأيدي الطاهرة تفلت من يدي الأب ويسقط على الأرض، فينادي الأب ابنه أكرم: هيا انهض يا أكرم يا حبيبي ليس بك شيء، فأنت قوي وبطل، ولكن الدماء التي نزفت من رأس البطل الصغير كانت خير شاهد على انه قد قتل .

خر الأب على الأرض وأدار وجه أكرم الذي كان منكباً على الأرض نحوه فرأى دماء تنزف من رأسه ومن انفه وفمه.. يا الله هل يمكن لبشر أن يتحمل هذا الموقف هل هؤلاء المسلحين الذين كانوا يلهون بالأسلحة يمتلكون إحساساً بالألم وظلم وقهر هذا الأب ؟؟ هل يمتلكون إحساساً بالإنسانية والطفولة والبراءة؟ هل هذا المنظر الذي يهز الجبال لم يهز شيئاً فيهم، امتلأت حقيبة أكرم بالدماء، فحمل الأب أكرم بكلتي يديه وظل يسير به في الطريق والدماء تسيل من رأسه وانفه وفمه على الأرض فلم تتحمل الأرض دماء أبنائها الأطفال وباتت الأرض اليوم تبكي على أطفالها .

ظل الأب يسير حاملاً ابنه الشهيد حتى أوصله إلى البحر والناس من خلفه، فوضع الأب أكرم الشهيد على شاطئ البحر ووجه الطفل مليء بالدماء انتصب الأب وهو يقول: أكرم حبيبي إني وفيت بوعدي واتيت بك إلى البحر، فهل أنت راضٍ عني يا أكرم يا أحب الناس.. أيها البحر فاشهد .. أيتها الأرض فاشهدي أيتها الجبال اسمعي.. أيها الناس اسمعوا .. لم يكن أكرم سياسياً ولا كان معارضاً ولا عسكرياً.. لم يكن يريد منصباً ولم يكن قادراً أن يؤذي احداً بل كان يريد أن يذهب إلى البحر.. لم يعرف معنى رصاصة حتى تعرفت الرصاصة بنفسها عليه.. أيها الناس لم يصرخ أكرم عندما مات بل مات صامتاً كأنه راض بالقدر.. أيها البحر اعلم بأن أكرم كان يحبك وكان يحب مدرسته وكان يحب أباه وأمه وكان يحب أطفال الحارة.. كان يحب مدينته فلماذا قتلوه؟؟

 كان المشهد مروعاً خصوصاً وأن الدماء كانت ما تزال تنساب من رأس أكرم وفمه وانفه وتروي شاطئ البحر الذي أراد أن يلهو أكرم على رماله.

 حمل الأب ابنه الشهيد وهو يطوف به في الشوارع وحشد من الناس كانوا من خلفه يسيرون وهم يسمعونه يقول: أيها الناس إن دم ابني أمانة في أعناقكم.. أيتها الأرض الطيبة إن دماء أكرم التي تنساب على ترابك لهي خير شاهد على أن أكرم كان يحبك وانك أنت أيتها الأرض من ستأخذي بثأر طفلي الشهيد أكرم الذي مات صامتاً.. وهنا تبكي الأرض على أبنائها .


بقلم /احمد محمد ادريس

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :