الاثنين، 7 مارس 2022

Hiamemaloha

قصة / ماهكذا تورد الإبل للشاعر أحمد علي صدقي

 ماهكذا تورد الإبل!

بقلم الشاعر أحمد علي صدقي

عند رجوعه لبلده، أحبط ما وقع له بالمطار كل آماله، لكن هذا أكد له أن كل ما كان يسمعه يروج عن قومه بالخارج والداخل، من استهتار و تقصير ولامسؤولية، هو خبر اليقين!!!

لا أحد في صغره، كان يظن أنه خلق ليكون مثل ما هو عليه اليوم..

اسمه سعيد.. كد واجتهد كثيرا رغم اكراهات الزمن و فقر عائلته ليصل للقمة.. شغله الشاغل هو العلم وما يقرب اليه، وحب الخير لبلده وما يدفع لفعله فيها.. ما كانت عليه عائلته وهو صغير، لم يكن ينذر بما وصل اليه اليوم من تفوقات.. كان يسمع عن سوء معاملات أهل العلم و تبخيس شأنهم ببلده، و ضربهم في المظاهرات وعدم توظيفهم، وما كان يصدق هذا، لأن المنطق عنده هو وجوب الإعتناء بهؤلاء وليس الاستخفاف بقدرهم... 

بعد رجوعه لبلده، خاب ظنه و مسعاه فانكمش على نفسه مكرها و غادر بلده راجعا من حيث أتى... 

هو اليوم يعمل بشركة أسيوية تنتج برامج لإصلاح المركبات الفضائية، عن بعد.

كان آخر عهده ببلده يوم رجع من الخارج حيث درس و أنهى دراسته. كان كله أمل أن يسثتمر ما تعلمه بالخارج من العلم في تقدم بلده. أن يجد عند رجوعه من يرحب به وبمشروعه.. من يفرحه فيحثه على المزيد من العطاء.. توج دراسته بدكتوراه في البحث العلمي بالغرب.. قام باختراع عالمي تصدر لائحة الفائزين بجامعة دراسته.. رفع راية بلده خفاقة بين رايات بلدان العالم الغربي. فاز اختراعه بميداليات ذهبية وكتبت عنه الصحف، و استدعته الإذاعات.. دعته عدة شركات لرعاية وتمويل مشروعه لكن كان يجيب الجميع بأن بلده هي أولى بهذا المشروع.. 

رجع وفي حوزته دكتورة وجائزتان ذهبيتان. لما نزل بالمطار سمع أهاجيج وزغاريد و مكاء وتصفية.. دخل قاعة الانتظار وجدها تعج بالحاظرين.. من بينهم كان أبوه وأمه.. الكل يرقص على وقع طبول تدق، و نفير ينفخ، و"'عَمَّارية'" تنتظر راكبها لتٌحَمل به فوق الأكتاف.. فرحة عارمة عمت المكان.. أرقصت بألحانها كل من كان موجودا ساعتها هناك.. كم كان هو الآخر سعيدا فرقص مع الراقصين وقبل أن يتقصى لمن تقام الحفلة.. فاضت عيناه بدموع فرح جعلته يسأل أباه:

أبي ألِي تقام هذه البهجة؟ أبلدي يفرح بي لهذه الدرجة؟ كم أنا سعيد ببلد ينبض قلبه بنبضات العلم.. بلد يحتفي برجوع طلابه احتفاء مثل هذا، إنما هو بلد لا يخشى عليه من الضياع.. ربَّت أبوه على كتفه وناوله جريدة كانت بيده، ثم أجابه وقد اغرورقت عيناه:

خذ هذه الجريدة يا ابني واقرأها لتعرف بنفسك بمن يحتفل بلدك.. اقرأها لتعرف لمن تقام الخفلات مثل هاته.. أخذ الولد الجريدة من أبيه وبها عنوان غليض وعريض يقول:

بلدنا اليوم في احتفال باهر لم يسبق له مثيل. كلنا نحتفل بقدوم الفائزة(ز.م.ر) بالمركز الأول في برنامج أرب إيدول( arab idol )

فقد شرفت الجميع ورفعت راية بلدها عالية خفاقة في بلدان الخليج... بغضب جعَّد الجريدة ورمى بها في حاوية المهملات، ومشى حثيث الخطى ليغادر وبسرعة وسطا مخجلا لا يليق به.. وسطا من قوم مغفلين، تافهين، استهوتهم موسيقى بتزميرها حركت دواخلهم المريضة فطفقوا يرقصون صخبا هز دويه حيطان القاعة فبدأت تجلجل، وقرع طاولات المقهى حولته الأيادي الباطشة الى طبول أساءت للمكان بصوتها.. قال الأب لولده:

- هل عرفت الآن كيف هو حال بلدك يا بني، و هل وعيت الآن لماذا كنت أقول لك ابحث عن عمل هناك ولم تسعفني..

طأطأ الابن رأسه و غادر المكان ساخطا على دنيا تافهة، تمجد وتكرم التفاهة وتسفل العلم وتهين أهله.. بمحفظته كانت ميداليتان من ذهب لو تكلمتا لقالتا:

- ما هكذا تورد الإبل يارهط...

ميداليتان شاهدتان على خزي قوم رفعوا من قيمة ما يحرك المؤخرات وأبخسوا قيمة علم يحرك العقول لتسعى بعلمها و وعيها لرفع بلدهاك بين بلدان تقدمت، تنظر إلينا اليوم بسخرية ونحن نفتخر بمن لا يستحق أي افتخار...

أحمد علي صدقي/ المغرب

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :