الاثنين، 8 أغسطس 2022

Hiamemaloha

عروس البحر للشاعرة قرشي يمينة

 ........... عروس البحر...........

إستلقيت كعادتي عند الغروب.فوق صخور تُحطمُ جبروت الأمواج العالية....وغطيتُ جسمي بخصلات شعري الطويلة الذهبية المسترسلة بنور أشعة شمس العشية...ولم يبقَ من جسمي السفلي سوى ذيل مرصع بحراشف فضية يتمايل ويتمختر، يرفع للأعلى تارة فتصبح الحراشف نجوماً تتبعثر في السماء...وإذا إنحنى إلى الاسفل تتدفق منه اللآليء لتغطس في قاع البحر فتصبح مرجاناً..

أعيش وحيدة لا يعرف لي أهل ولا خلان ، عهدت حريتي وصارت عنوان وجودي...وغير الحرية لايعني لي في الحياة شيئاً 

إحتضنتني الطبيعة فأدمنت ...سماءهاوصخورها وبحارها دفعة واحدة...أمرح مع النسور ..وأسابق الحيتان ... وأعاند الأمواج.. واختبىء في قاع البحار والمحيطات...أسكن الجزر و المغامرات وأهجرها....أطارد السفن والبواخر... ألعب لعبة الخيال والأساطير فيرهبني القراصنة والصيادون حين أسمعهم أنين أعماقي الصامت....

تعجبني حريتي وخلوتي جعلتها زادي أتنفسه فوق الماء وتحت الماء...وتزيد من حسني بهاء وصفاء

أستلقي ودفء شمس الغروب يداعبني وتتخلله نسمة هواء خجولة راحت تفرق خصلات شعري بإستحياء..فسكنت حركاتي وأُغمِضت عينيَّ كأنهما متفقتان على الاستسلام لنوم عميق...لم أستطع الفرار من سجنهما.فشعرت بخيال تحجبه أشعة الشمس المتكسرة على الأمواج ، يقترب من بعيد ...فإذا بآدمي يجر أقدامه ويدفنها في الرمال تاركاً خلفه آثار لخط طويل كآثار دب النمل التي لا تندثر ..ويرشق الحجارة على سطح البحر...يجبرها على عدم الغوص في أعماق البحر..ولكن دون جدوى ..مالها إلا الغرق... لا محالة !!

إقترب مني فاتضحت صورته وبانت ملامحه البريئة التي جمعت بين الرزانة والجمال..وساوت بين القد والوقار...ويقطر من جبينه النبل والحياء....يغزو شعره شيبا تتخلله الحشمة والهيبة ، سكنت بين خصلاته.

إقترب مني وتعمّد النظر وإعادة النظر إلى جسدي...دون أن يسألني أو ينطق ببنت شفة..

حينها أحسست بنفس نظرة الصيادين والقراصنة التي يتركونها وراءهم لحظة حضورهم...فدمعت عيناي والخجل زرع على وجنتي حمرة مخضبة كتلك التي تتركها الشمس في الأفق بعد الغروب

وبعد جلسة إختلاء مطولة مع نفسه...إرتسمت على محياه إبتسامة رقيقة تحمل ألف جواب لإستفهام واحد يدور في ذهنه ...تحولت نظراته إلى إعجاب قيدني...صارحتني عيناه ، خفية عنه أنها تعرفني منذ ألف ليلة وليلة.!! وخفق قلبه وسمعته يردد إسمي...عروس البحر ...وبدون تردد مدّ يده لي وأمرني بأن نغوص في أعماق البحر سويا..كآدم وحواء.. وتأمل جسدي مليا وهو يغرق تحت الماء طواعية...ويعود ويطفو فوق السطح في رمشة عين..شدد قبضته على كلتا يدي مرة ثانية...ودعاني لمرافقته في رقصة نتحدى فيها كل الأمواج والتيارات...ونجعل الحيتان والأسماك تعزف لنا أجمل الألحان...ولم ينتظر جوابي..بل حدد نوع الرقصة والموسيقى...وكان أروع إختيار!! أنغام رومانسية تخترق العقل والوجدان...عانقني كالطيف دون إستئذان....سكنت نظراته كل جوارحي...طوق خصري... أخذ يوشوش في أذني كلمات تُرجمت لكل لغات الكون ...رقصته كانت زوبعة دارت بي المحيطات وادخلتني أعماق البحار وأخرجني من كل المرافىء والشطآن...

وفجأة خيم الصمت والسكون على كلينا لحظة الغروب...كناننظر لمكان واحد..ومأخوذين بروعة ما يبدو لأبصارنا..!!!كانت الشمس تودعنا تاركة وراءها وشاحها الأحمر المخطط بالبرتقالي وتلوح لنا من الأفق البعيد..

وفي تلك اللحظة خرجنا إلى الشاطئ ورمينا بأجسادنا فوق الرمال مضطجعين على ظهورنا وهبط الظلام فوقنا شيئا فشيئا..كنا سعداء...هانئي البال...تلاهينا بنفسينا ووجودنا بالقرب من بعضنا...نستعذب صوت الصخور الباكية بدموع البحر..مبهورين بالنجوم تضم بعضها .كأم تجر أبناءها خلفها في كل مكان...

فلمع في الأفق شعاع ونزل مسرعاً كلمح البصر واختفى ولم يعد له أثر...شدّ انتباهي المشهد و عجبت له حتى لاحظ الآدمي إندهاشي هذا...فأشار بأصبعه للسماء وقال : إنه الشهاب...نجمة طائرة فضلت الهروب بسرعة إلى مكان لتعيد فيه الكرة ...بعد مئات السنين..ضحكتُ واستغربتُ..فأخذ يحدثني عن النجوم ويسميها بأسماء غريبة..وردد على مسامعي أنواع الكواكب...والحق ما كنت أراها !وحدثني عن الشمس ..ذلك القرص الاصفر الذي أرى به الصباح وافرق بين الليل والنهار بوجوده... ويدفيء جسمي ويجفف شعري....ووصف الأرض بكلمات تجعل الكون أوسع وقال إن المجرات كثيرة ...وما خفي منها كان أعظم !! وأن الفضاء ليس له أرجاء...وله نظام دقيق مرتبط بعالمنا وحياتنا..

ونبهني أن الحياة كالواحة الخضراء... نزرع ونجني كل ما غرسناه بأيدينا.. والنتيجة المتوقعة حتماً الخير خير.. والشر شر..

وأن مغزى الحياة سلطان العقل ...يملكه التفكير الصح ...والمنطق السليم

وأنا الحب في القلب والنفس نور يشع بقوة لا تعرف حياء ولا إختباء.. والعواطف الحقيقية لها مقياس واحد في الحب اكون او لا أكون..؟.فقانون الحب لا يسمح لنا بالهروب أو الرحيل بحجة الكرامة ..فلا كبرياء بين المحبين ولا يوجد تحدٍ يرفع من شأن المحبوب أو يغرس رأسه في الأرض

أما عن الجمال فقال يبقى الجمال جمال نحترمه ونستره...يلين له الخاطر..تتوق له الأعين...نميل لإحتضانه...تتسرب منه ذبذبات إيجابية تأخذنا لآخر الدنيا وتعيدنا...

أدركت حينها أنه ليس بصياد أو قرصان....لا يشبه أولائك الذين عرفتهم حين برزوا لي ينهشون جسدي بلا رحمة...وحين ينكشف ذيلي المرصع بالحراشف أمامهم يفرون كالاطفال..

لماذا هذا الآدمي وجوده لم يدعوني لإخفاء ذيلي ؟ لماذا عاملني بلطف وأخرج مني أحاسيس الانثى... وجمال العروس... وبراءة الأطفال

لماذا لم يسخر من ذيلي لماذا تقبل مظهري وقدم لي البحار والمحيطات والاكوان كعربون لصداقتنا ؟؟

واحترامه لشخصي لا لشكلي..؟ لماذا اطلعني على أصول الحياة ولم يترك تفكيري تائه في الحياة ؟

تكررت حاجتي للسؤال..فكسرت كل حاجز يمنعني عن ذلك ...فتشجعت.ووضعت يدي على صدره وسألته بعيون لا تسمح لأي غش أو كذب يخدش مسمعي..من تكون ؟ لفضتها وكلي خوف أن يحبطني جوابه و اكتشف أنه نوع جديد من الصيادين والقراصنة ! فرد بكلمات يغلب عليها الإيقاع الموسيقي ...بنبرة غلفت بالصدق..كغلاف الهدايا البراق !

أنا شاعر..ومفكر..وعالم !

تمنيت حينها لو كنت شاعرة ومفكرة وعالمة...لأجادل هذا النوع من البشر وأتملكه بتفكيري..وأستحوذ عليه إستحواذ الانملة للخاتم من دون مراعاة لأي ظروف .كما تملكتني أفكاره...وأصحح نظرة البشر لي..كما صحح نظرتي للحياة..والكون 

وأدركت أن البشر أنواع...وليس كل بشر صياد .....وليس كل صياد بشر !!!

قرشي يمينة⁦🇩🇿⁩

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :