الجمعة، 2 ديسمبر 2022

Hiamemaloha

رياح القدر للأديب محمد بوعزة

 رياح القدر

                         __________

قد يَجِمُ شبح القدر على طيفك وأنت هائم لا تدري ، وقد يحوم بأجنحته حول ملاحف سحنتك فتهزّ ريحُ مروره أسمالَك وأنت تائه لا تبالي ...

طبعا إنه القدر ليست له مواعيد مع الظروف والأحوال ، بل ليست لنا معه مواثيق تلزمه الوفاء والإخلاص...!

... فَتَح الرجل بابَ السيارة الجانبي بعد أن تأكد من أنني لا أحمل بطاقة الهوية ، وقال : اصعد ! ، لأتفضل بالجلوس داخل سيارة الدورية والتي يبدو أنها كانت تجوب الحي لأغراض أمنية . صعدتُ ولم يكن بوسعي سوى الدخول والجلوس إلى جانب أشخاص لم أستطع من شدة الهول أن أسألهم حتى عما كان يحدث تلك اللحظات ؛ لأن كل همي كان مركزا على الضيف الذي تركته بالمنزل ؛ ضيف شاءت الأقدار أن ألتقي به في باب المسجد بعد صلاة العشاء ، حتى إذا دخلنا واستوينا جالسيْْن ببهو غرفة الضيوف ، نودِي  علي من المطبخ لتذكيري بأن الخبز لا يكفي ، فخرجت للتّوِّ أقصد دكان الحي، ظنا مني أنني سأعود في الحين ولا أتعطل عن ضيفي ، لأصادف قدَري ينتظرني مستعجلا أمري في إيصالي مخفر الشرطة ...

لم يكن انشغالي بما أنا عليه من حال وأنا انتظر دوري في إنجاز المحضر ، بقدْر ما كان ذهني منشغلا بمآل الضيف الذي تركته ينتظرني بقاعة الضيوف ... لا شك أنه الآن يتساءل في همس عن  سبب تأخري وتركه وحيدا ، كيف لا وأن من عادة المضيف عدم الإبتعاد عن الضيف ، خصوصا وأن ليس بالمنزل من يقوم مقامي فيجالسه عوضا عني في انتظار المجيء ، بل وإذا بِتُّ ليلتي هنالك فمن سيقدم له العشاء المشؤوم ؟. ثم ماذا سيكون موقف الزوجة وهي التي لا تدري ماذا تفعل وليس معها إلا ابنتها الصغيرة ؟ ، كيف ستتصرف كإنقاد لها من موقف ساقه لها القدر في ظلام الليل؟ من يطمئنها على حالي إذا طال الغياب وساءت الأحوال؟! .... حتى الضيف سوف لن يسلم خاطره من التساؤلات ، أين من أحضره ؟ ولماذا لم يلتزم معه بشروط الضيافة التي بدأت  تبدو وكأنها تخرج عن المألوف ... أسئلة كثيرة ليس لها من إجابة إلا ما سيقدمه القدر خلال اللحظات القادمة ... 

 استدرْتُ برأسي أحاول تخفيف ما ألمَّ بي من تَِقل الهول ، وإذا عيناي تتقابلان مع شيخ ذو لحية بيضاء ، يشاركنا الجلوس بالمخفر ، ينظر إلىي ويبتسم ، ففهمت من حركاته أنه يقول لي لا تأبه، ستُفرَج عنك الغيوم ، إنها سحابة عابرة لا تلبث أن تتحول إلى مُزْنة ، لأستفيق على صوت الباب يفتح ، ليُنادَى عليّ من باب وأخرج من آخر ... .

هرولتُ مسرعا في اتجاه المنزل  وكانت الدكاكين قد أغلقت أبوابها ، دخلتُ البيت من غير خبز ، وهمومي منصبَّة على حال الضيف ، لتخبرني الزوجة بعد هدوء روعي أنه خرج من غير استئذان بعد طول انتظار ، وترك الباب مفتوحا حتى لا يُحدِث ما يُشعرهم بانصرافه ...  استعدْتُ أنفاسي مما ألمَّ بي وبضيفي ، ثم أسندتُ ظهري إلى وسادة على حائط البهو ، وإذا بي ألمح طيف الشيخ من جديد ، طيف الرجل ذو اللحية البيضاء بالمخفر ، يتكئ على طنفسة بالغرفة المفروشة ، فقلت له وكأن قوة بداخلي ترغمني على طرح السؤال :

  - من أنت... ؟ 

رد بصوت وقور : أنا الذي ألِجُ الأبواب من غير مفاتيح ، أسعى بين الناس بالخير أحيانا وبالشر أُخَر ، حيثما حللتم أحل ، أصلكم بمقدور القضاء والقدر ، وآتيكم من الأنباء بكل خبر ... 

تأملت الموقف من جديد فهزتني الأحداث بالتأكيد ، ليحضرني لحظتها معنى ما كتبه " بوب موران "  في مدخل كتابه " سُرّاق الذاكرة : " (... لو أنني كنت أعرف ما ينتظرني هناك لوَلَّيتُ وراء ، ولهرولتُ مسرعا وساقاي إلى عنقي ذون أطلب ما تبقى مني ، لكنني لم أكن أعرف... وكيف كان بإمكاني أن أعرف.. ؟! ). 

   - تُرى هل كان فيما وقع مِنْ صدٍّ أو مَفرّ ؟ وهل بإمكاني أن أتحدى القضاء فيما حصل بعد أن قرر وأصدر ؟ كلَّا ... إنها رياح  القدر فيما أفْتى  وأمَرْ ... !!. 


      محمد بوعزة   

        29/11/ 2022

              المغرب

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :