الاثنين، 20 فبراير 2023

Hiamemaloha

كبرباء وغرور للشاعر كمال العرفاوي

 *كبرياء و غرور*

       نظر إليها رمزي كعادته نظرة سريعة ملؤها الإعجاب

و الحبّ البريء، فقد سكنت قلبه، و شغلت عقله و تفكيره. رمقته سَحَر، قبل أن يطأطئ رأسه حياء، بنظرة مُتعالية،

و واصلت سيرها غير عابئة به. لقد عُرِفت سَحَر منذ نعومة أظفارها بتباهيها بجمالها السّاحر، و بعِظَم كبريائها، و شدّة غرورها ، و بطموحها المفرط، و حبّها الشّديد للمادّة، و تحرّرها المُبالَغ فيه، و هي لا تعلم أنّ أفضل الجمال جمال الأخلاق

و أفضل النّقاء نقاء السّريرة.. 

      شبّت سَحَر في أسرة متواضعة، لا تملك من متاع الدّنيا 

إلّا ما تسدّ به رمق عيشها. لذلك انقطعت عن الدّراسة مبكّرا بعد بضع سنوات قضّتها تدرس في المدرسة الإعدادية القريبة من منزل أبَوَيْها المتواضع الّذي اكتراه والدها منذ سنوات بمبلغ زهيد، و اشتغلت بائعة بمحلّ لبيع الملابس الجاهزة.

      أمّا رمزي فهو شابّ مُلتزم و متواضع، من عائلة فقيرة. 

كان همّه الوحيد و شُغله الشّاغل النّجاح في دراسته، و الظّفر بشهادته الجامعية. و قد تحصّل عليها منذ بضعة أيّام بعد التّعب و الإجتهاد و سهر اللّيالي، و هي المفتاح الضّروري، كما يقول والده، للحصول على شغل محترم ينتشل به عائلته من الفقر و الخصاصة، و يسمح له بالتّقدّم لخطبة توأم روحه سَحَر..

      مرّت الأيّام و الأسابيع و الأشهر، ورمزي في بحث دؤوب 

عن شُغل يناسب مؤهّلاته العلمية، دون أن ينسى حبيبته سَحَر و لو للحظة واحدة، فقد كان طيفها لا يفارق مُخيّلته في يقظته و منامه، حتّى أنعم اللّه عليه بوظيفة محترمة بشركة عالمية. فغمرته فرحة لا تُوصَف، و عزم على الاجتهاد

و الإخلاص في عمله لتحقيق أهدافه القريبة و البعيدة الّتي رسمها لنفسه..

       بعد ستّة أشهر من المثابرة و العمل الجادّ و الادّخار

و بعد تلبية حاجيات والديه، طلب رمزي منهما مصاحبته يوم  السّبت القادم لخطبة سّحَر، فوافقا على الفور دون تردّد. و كانا ينتظران هذه اللّحظة بفارغ الصّبر. 

       استعدّ رمزي للحدث أفضل استعداد، و حين حلّ اليوم 

الموعود اصطحب والديه إلى منزل سَحَر، و هو يمنّي نفسه بموافقتها على خطبته لها تمهيدا للارتباط بها على سنّة اللّه 

و رسوله. إلّا أنّ مطلبه جُوبِه بالرّفض من طرف سَحَر، رغم موافقة والديها. فرَفضُها كان مبدئيا و باتّا لأنّ طموحها كان أكبر من الارتباط بموظّف بسيط يفتقر للسّيّارة الجميلة

 و المنزل الفخم. و رغم ما كان يتحلّى به رمزي من دماثة أخلاق، و سلوك حسن، فقد تمسّكت سَحَر بالرّفض ضاربة  بمحاولات والديها لإقناعها عرض الحائط. فمعاييرها للارتباط  بزوج المستقبل ترتبط أساسا بمعايير الشّهرة و الثّراء

و الوجاهة دون إيلاء أيّ اهتمام للمعايير الدّينية و الأخلاقية

 و الثّقافية.. 

        عاد رمزي صحبة والديه إلى المنزل حزينا، كئيبا، يجرّ أذيال الخيبة و المرارة، و هو يتمنّى لو ابتلعته الأرض قبل أن ترفضه سَحر. حاول الوالدان الرّفع من معنوياته، و التّخفيف من شعوره بالحسرة و الألم بإخباره بأنّه شابّ في مقتبل العمر 

و المستقبل مازال أمامه، و سيجد بإذن اللّه بنتا أجمل و ألطف من سّحر.. تظاهر رمزي بقبوله للأمر الواقع محاولا إخفاء صدمته و انكساره، و دخل إلى غرفته، وانخرط في بكاء مرّ.. 

      بعد يومين من الحزن و العزلة و الانطواء، و التّفكير، قرّر

رمزي إخراج سحر نهائيا من قلبه، بعد أن تركت فيه جرحا غائرا يصعب اندماله بمفعول الزّمن، و قد تأكّد من سوء اختياره حين رآها بعد أسبوعين من استفاقته من غفوته،

و هي تركب سيّارة فاخرة بجانب أحد الشّبّان الأثرياء غير مبالية بأعين الجيران و أحاديثهم. و قرّر ألّا يهتمّ إلّا بعمله

و والديه فقط. فكان يعمل ليلا نهارا من أجل إرضاء صاحب الشّركة، فتدرّج بفضل اجتهاده و إخلاصه في العمل إلى أعلى المراتب..

        بعد سنوات عديدة من  الكدّ و الجدّ و العمل الدّؤوب، 

و المثابرة أصبح رمزي مديرا تجاريا، و اقتنى منزلا جميلا 

و سيّارة فخمة و صار شابّا ميسور الحال تتمنّى الارتباط به

أيّ فتاة .. 

        مرّت الأشهر و السّنوات و هو ينعم برغد العيش صحبة 

والديه، و يشكر اللّه كثيرا على عطائه الواسع، و نعمه الكثيرة. 

و ذات يوم استقبل رمزي بمكتبه وفدا تجاريا من شركة أخرى يتعامل معها باستمرار. و كان ضمن الوفد مهندسة شابّة، مُحتشمة، ذات ملامح طفولية بريئة. و جمال طبيعيّ لافت. لقد جذبت انتباهه منذ اللّقاء الأوّل بلباقتها في الحديث،

و بأخلاقها الفاضلة و سعة معارفها، فأُعجِب بها أيّما إعجاب.

 و بادلته المهندسة سمر إعجابا بمثله، و تتالت لقاءاتهما أثناء العمل و خارجه، فتوطّدت العلاقة بينهما، و انتهت بالزّواج السّعيد.. 

       مرّت الأشهر سريعا، و الزّوجان يعيشان في سعادة

غامرة، و ينعمان برغد العيش.. و ذات يوم، بينما كانا يتجوّلان في أحد شوارع المدينة، تقدّمت منهما متسوّلة رثّة الثّياب، تجرّ قدميها جرّا، و طلبت منهما صدقة في انكسار و تذلّل.

 و يا لَعِظم المفاجأة! إنّها هي!إنّها هي بعينها! إنّها سَحر، حبيبته الأولى الّتي احتقرته و لفظته كالنّواة! يا لها من مفاجأة صادمة! لقد كانت في حالة سيّئة يُرثَى لها، فجاد عليها رمزي ببعض المال دون أن تشعر زوجته بأيّ شيء..

و قد علم لاحقا بأنّ سحر دخلت السّجن عدّة مرّات بعد أن خالطت بعض المنحرفين الأثرياء الّذين غرّروا بها و استغلّوا طمعها و جشعها، و عبثوا بجسدها، و أصبحت مدمنة للمخدّرات، و صارت منبوذة من الجميع بعد وفاة والديها حسرة و كمدا عليها، لا عائلة تحميها، و لا منزل يأويها، و لا عمل يساعدها على مجابهة الحياة..

كمال العرفاوي في 17 / 02 / 2023

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :