"رحلت ملهمتي"
بقلم الأديبة لطيفة حمدي
كلما ٱشتد بي الحنين إليها وعاودتني الذكريات الجميلة معها يزورني طيفها ويحتلني ذلك الوشم الجميل المنقوش بين ناظريها المتقدين جمالا وفطنة وحكمة وياسرني وشمها الثاني فوق لحيتها المستديرة بغمازتها الجميلة فازداد شوقا وتعلقا بمحياها وشخصيتها العظيمة التي ٱنطبعت في شخصيتي كذلك الوشم الذي علا وجهها الملائكي ،فأكتب لها واناجيها علها تسمعني ،ألا يقولون ان أرواح من نحب تزورنا وتحلق حولنا كل إثنين وخميس...
وهذا ما كتبت لفقيدتي وسبب وجودي....
كنت في سنتي قبل الاخيرة في الجامعة وكنت على أبواب التخرج ،أحلم بالمستقبل الوردي وبالعيش الوديع بعد أن ألتحق بسلك التعليم وكانت هي تشاركني حلمي وتنتظر تفتح زهرتها اليانعة ،كانت كل شيء في حياتي ،وكنت البنت المدللة ،كيف لا وأنا آخر العنقود الذي تكون من ست بنات وولدين ،وانا الفتاة الوحيدة التي واصلت تعليمها واوشكت ان تتخرج ،كنت الأمل الوضاح والغد المشرق ،كانت ترى في كل شيء جميل خاصة اني تميزت بطباعي الهادئة وشخصيتي الرصينة منذ نعومة أظافري ،كنت محل ثقتها ومصدر بهجتها ، وقد زادتني هذه الثقة شعورا بالمسؤولية وعزما على تحقيق المطامح ،كانت هي دافعي لحب الحياة والتشبث بالهدف ،استند إليها فتدفعني دون هوادة إلي رسم خطوط مستقبل جميل مليء بالبذل والعطاء والشموخ ،كانت هي نبراسي والسراج الذي ينير دروبي في العتمة ،كانت هي المظلة التي تقيني وجع الايام والسنين وهي مرشدتي ودليلي ،كانت حلما جميلا في ليلي البائس وٱستفقت ذات يوم على وجع عظيم قسم ظهري وغير مجرى حياتي ،لقد فقدت سندي وأضعت قافلتي في عرض الصحراء ،لقد رحلت تلك التي منحتني الحياة وعلمتني حبها وارضعتني حليب الصبر والإرادة والعزم ،لقد فقدت ظلي وتاه طريقي وتصحرت حدائقي وتبعثرت ورودي وٱنكسرت أغصانها ،رحلت ملهمتي تركتني في مهب الريح ،احتسي الحزن والأسى ومر الحياة ،غادرت إلى ذلك العالم الجميل تاركة برعما لم يكتمل نموه فانهكه الضمأ واعياه البعد ومزقه الأسى ...
لطيفة حمدي/تونس