" يوميات رمضان "
- الخامس عشر: موكب مهيب
يُحكى في هذا الزمنْ
بِأنّهُ كانَ هُنا
يُعانِقُ الشوقَ والوطنْ
في قريةٍ صغيرةٍ , أو عجوزْ
لكنَّ أحلامها الكبيرةُ , مُثيرةْ
أشجارها تئنُّ في سكونْ
فَرُبّما تُعاني منْ شجونْ
أزاحَ منْ جِعابهِ عبارة ( لايجوز )
لمْ يهابَ الموتَ , والحَزَنْ
أيّتُها المشانقُ المرفوعةُ
فوقَ الرؤوسْ
توقفي للحظةٍ , لدمعةٍ
فإنّهُ لمْ يخشَ قساوةَ الفؤوسْ
وأنتَ أيُّها المسافرُ
لا تنسَ اشتياقَ البيادرِ
للتراب ؛ وللعذابْ
فمنْ طيورِ حديقةٍ أثيرةْ
تهذي أغانٍ كالسرابْ
أيُّها الليلُ لديهْ
لا تُسابقَ الرياحْ
لا تُعاندَ برقَ الطفولةْ
أو قوّةْ الشبابْ
فإنّهُ آخرَ الآتينَ
منْ سلاسلِ الضبابْ
امتطى ذو الوجه المَهيبْ
حقيبةً حمراءَ أو زرقاءَ ؛ أو سوداءْ
ولعلّها بيضاء
لمْ أعُدْ أدري ما كانَ لونُها
أو حَجْمُها ' أو شَكْلُها
أو كيفَ دارتْ مراسمُ الغيابْ
فكلُّ ما أدريهِ حينها
أنّهُ عانقَ أُمّهُ ؛ والسماءْ
قالَ لأخيهِ ؛ وأُختهِ السمراءْ
بأنّهُ ذاهبٌ ؛ وما أقساهُ منْ ذهابْ
تبادلَ النظراتَ معَ أبيهْ
ك البرقِ تعصِفُ أُنشودةُ الإباءْ
وغادرَ الفتى في لقطةٍ يتيمةْ
لمْ يكنْ يدرِ بأنَّ للحياةِ لوناً
أسودَ العيونْ 'أو الرموشْ ؛ أو الجفونْ
اِلتفتَ صوبَ الحاضرينْ
قالَ أبوه : ( يا بنيَّ تكونَ أو لا تكونْ )
تقاطرَ الشوقُ والشجنْ
أيُّها الهاتف المجنونْ
لا تأت إلاّ بِبُشرى
منْ قوافلِ الظنونْ
لا تحمل الكثيرَ منْ عذابْ
ففي الغيابِ قهرٌ
تعلمُ مُبتداهُ , ومُنتهاهْ
حتى دُمى الذئابْ
كانَ يحلمُ برايةٍ تضمَهُ
لا يهمهُ إنْ لم يعدْ
فها هنا تُوقَدُ الشموعْ
وهُنا تُذرَفُ الدموعْ
يا محمدَ ؛ يا يسوعْ
يا زهراءَ ؛ يا عذراءْ
يا قُبّةَ الموتِ الحنونْ
راقبوهُ ؛ راقبوهْ ' ففي ارتقائهِ
ينحني المساءْ ' تطفئ مواقد السماء
يبكي على ظِلّهِ القمرْ
وعصفورهِ الصغيرْ , والشجرْ
يا أُمَّهُ ؛ يا أُختَهُ ؛ يا أخاهْ
( يا أبيهْ ) ... يا رفاقَهُ الشبابْ
لا تذرفوا على مُسجّاهُ الدموعْ
أوقِدوا الشموعْ
لا تبكوهُ قليلاً ؛ أو كثيرا ...
لا تُحَمِّلوهُ وِزْرَ حقائبِ الجنونْ
كَفِّنوهُ كما يفعلُ السرابْ
فإنَّ جُثّة لنْ تكونَ
في حوزةِ العِتابِ , والغيابْ
أكتبوهُ رسالةً لكلّ العابرينْ
سجلوهُ على زهرِ الياسمينْ
عانقوه ؛ عانقوه
لا تلقوا على روحهِ التُرابْ
دعوه يصرخُ كما يُريدْ
فصوتَهُ عنيدْ ' وزِندَهُ عتيدْ
ولحْنَهُ وحيدٌ ' ورُبّما فريدْ
ألمْ أقلْ بأنَّ هذا كلّ ما يُريدْ
إنه (حقيقةً) في طلاسمِ الزمنْ
عانى , ومازالَ منْ طحالبِ المِحنْ
كانَ يحلُمَ بالربيعْ ' ورُبّما يَحلُمَ بأنْ
يعودَ غالبا بلا شجن '
لكن في لحظةِ الأتونْ
تقاذَفتهُ براثنُ الموتِ ؛ والحياةْ
حتى حُلمهُ الأخيرْ
بأنْ يعودَ في كفنْ
أبى أنْ يستجيبْ
وها هو يغيبْ
عائداً في موكبٍ مَهيبْ ...
________
وليد.ع.العايش
١٥ رمضان/ ٢٠٢٣ م