قصاصات على شواطئ الزمن
محمد حسام الدين دويدري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذاك صوتي لم يزل كالبرعم الغضّ الحزينْ
صابراً ينمو على الآلام في وقع السنينْ
لم يزل بين الصدى
يَخْضَلُّ مِنْ رشفِ الندى
يجتاحه رجع الأنينْ
فيظلّ ينتظر الأمان يغيث درب العابرين
وتراه يصبر قانعاً
ليعيش في طَلٌّ وطينْ
ينأى بآلام الحياة مسافراً عبر الشجون
يسعى إلى خضر الأماني بالصدى الحاني المُعينْ
ليصوغ من برق الوعود قصائداً تجلو الشجونْ
وتزيد ثورة عشقه للعيش في أرض اليقين
متسامياً عن عجزهِ
يَختار من دَمها المَعينْ
حتى إذا ضمّ الضياءُ شِفاهَهُ
تلقاه يَبْسُمُ في حبورٍ سالياً دمع العيون
ليقول للجرح انكفئ
وامسح جفونك بالقناعة
و ارتعاشاتِ الغصون
فالعمر يعبر ألف لون في متاهات الجنونْ
يغشاه إذ أضحى يجوب الأرض مرفوع الجبين
ألمٌ وصبرٌ وانكسارٌ واختلاجٌ وغضونْ
ثمّ حبٌّ ولقاء ونقاء وسكون
ثم بُعد وجفاء وعناء وشجون
أو حياة في شقاءٍ
ونفور بعد بين
أو رحيل في الأماني
أو حياة بَين بينْ
* * *
مازال صوتي برعمٌاً يحلو له لمسُ النسيمْ
لكنه ماانفكّ يصبر
بين أصناف الرعود
وبين أصداء الرياح على مساحات الهشيم
لا فرق أن يجني الوعود
وأن يحلّق في الخيال مسافراً بين الغيوم
* * *
مازال صوتي برعماً
بيني وبينك أيها الحزن المسافر في دمي عهد عظيم
أصبحت جزءاً من دمي
تختال في عمري الكليمْ
سافرت في دمعي صغيراً
ثم أثقلت الهمومْ
إني احتملت صداك أبغي طاعة تجلو الكلومْ
رافقت أيام الشباب مروضاً صمتي العقيم
مستنفراً دفق الحروف تصاحب الوتر الرنيم
* * *
يا أيها الحزن المعبّأ في قوارير السنين
لم تزل كأسي وخمري
لم تزل صبري وقهري
لم تزل تجتاح عمري
مشعلاً فيّ الظنون
لم تزل تطوي سكوني
لم تزل تدمي عيوني
لم تزل تغري شجوني
مُعلِياً عزم اليقين
صرت جزءاً من حياتي
في مسيري
في صَلاتي
بين آهاتي وذاتي
عابراً كلّ صِلاتي
صرت أُسّاً في كياني
صرت حصناً من حصوني
صرت كنزاً مثرياً نبض القوافي في جنوني
صرت في كفي رغيفاً
صرت في قلبي لهيفاً
صرت من عزمي وعَوني
صرت لي ظلاً أثيراً
فُزْتَ بي فوزاً مُثيراً
لم أعد أملك منه مهرباً غبر القرون
بل غدوتُ في مَدَاهُ قانعاً كالمستكين
ليس لي غير التسامي
عن متاهات همومي
بهموم الآخرين
قانعاً أني سأبقى سائراً أيام عمري
عابراً كل السنين
بين أقدارٍ يُغَذّي نبضها طَلُّ وطينْ
....................
حلب5/4/ 1978
من مجموعو: قصاصات على شواطئ الزمن