السبت، 14 أكتوبر 2023

Hiamemaloha

الناب الأزرق للأديب عوني سيف

 الناب الأزرق.

قصة قصيرة بقلم /عونى سيف ، القاهرة.

       خرجت رسمية من إحدى العيادات المتخصصة بأمراض النساء و الولادة. هى كانت قليلاً ما تذهب إلى المدينة إلا للاستشارات الطبية. يدها اليسرى خلف ظهرها لكى تسند قوامها و اليد اليمنى على كتف زوجها عبد الباسط.

     رسمية شابة فى ثلاثينيات العمر، حامل فى شهرها الأخير ، زوجها عبد الباسط يكبّرها بسنوات قليلة.يترددان على المدينة للضرورات فقط.

قبيل الولادة بأيام عدة ، تربص حمدان إلى عبد الباسط و هو ذاهب إلى الحقل. أطلق الرصاص عليه، قتله، فهذا كان دماً متوارثاً ، مشكلة قديمة قائمة بين العائلتين. 

مشكلة تشبة الدائرة المفرغة . كل فترة يقُتَل شخص من هذه العائلة أو تلك.انه ثأر قديم يشبه جدولاً من الدم يمر بين بيوت العائلتين.

رفضت عائلة عبد الباسط استقبال العزاء ، لكن لن يكن رفض كلياً.

وضعوا خيارات أمام رسمية ، فبعض أفراد العائلة يودون أن ينهوا هذه العادة السيئة.

رفضت رسمية أصوات التصالح ، و رفضت أيضاً استقبال المعزيين.و رفضت أن يسلّم حمدان إلى العدالة.وضعت نفسها فى الدائرة المفرغة التى عانت منها العائلتان.قالت سوف ناخذ بالثأر. هذا المولود الذى لم يرَ نور الحياة بعد ، سوف يقتل حمدان ، ويأخذ بثأر أبيه.

       حمدان لا يكبّر عبد الباسط كثيراً. اختار عبد الباسط لكى يقتله ثأرا لقتل أحد اخواته منذ عقود. اختياره ليس هباءً بل لأن عبد الباسط احسن إخوته . فالثأر فى بعض قرى صعيد مصر يشبه أُضحية الآلهة ، عيب على من يريد الأخذ بالثأر ان يقتل مريضاً أو ذا إعاقة أو طاعناً فى السن.بل يختار من الرجال أحسنهم و اقيمهم من العائلة الأخرى.

    أتى رسمية المخاض فجراً ، ولدت مصطفى يتيماً ،اهتمت بتعليمه ، فالاهتمام بالتعليم بدأ فى زيادة بين العائلات فى هذه الفترة.كبر مصطفى و دخل كلية الطب بجامعة سوهاج ، تخصص فى القلب و الأوعية الدموية.تفوق فى تخصصه ، لمع نجمه سريعاً ، أصبح له اسم براق بين أطباء المحافظة. تزوج وسكن المدينة ليكون قريباً من عمله بالمستشفى الجامعي.

    حمدان أيضاً لديه إبن ، سيد تخرج فى كلية الصيدلة بعد مصطفى بعامين. رفض أن يسكن المدينة ، فتح صيدلية فى أطراف القرية خدمةً لأهل القرية ، لأن القرية لم يكن فيها صيدليات من قبل. كانوا يذهبون إلى قرية مجاورة لشراء الأدوية.سيد مثل مصطفى يحب الناس ومساعدتهم.

   إنه يوم جمعة ، فى أحدى عطلات نهاية الأسابيع ، ذهب مصطفى إلى القرية ليطمئن على والدته. أخبرته بسر موت أبيه قتيلاً ، وقصت له مجرى الثأر القديم ، أخذته إلى غرفة نومها، أخرجت من تحت السرير بندقية قديمة روسية الصنع.قالت:

حان الوقت يا مصطفى أن تأخذ بثأر أبيك من عائلة حمدان. اصطدم هذا الكلام برأس مصطفى كأنه صاعقة برق. اخذت تجري جرذان من الأفكار فى رأسه .

ما هذا القدر الذى قدروه لي؟ أيريدون منى أن اقتل؟

كيف ؟ وانا الطبيب الذى كرس نفسه لإنقاذ الأرواح و مدواة القلوب المعطوبة؟ لكن أبى مات قتيلاً. أيموت أبى قتيلاً و اهنأ انا بحياتى؟

      أثناء تخبّط كل هذه الأفكار فى رأسه ، منها ما يقع و منها ما يقوم ، كان صامتاً من هول الصدمة.

قالت له أمه ، انت متعلم ، إذا لم تعجبك البندقية ، اشترَ لنفسك مسدساً جديداً ، أخف و أحسن.

خرج إلى سيارته ولم تخرج كلمة من فمه ، فهو ضد القتل ، حتى لو كان القاتل ، قاتل أبيه.لكن خيم على قلبه احساس غريب ، لم يحسه من قبل ، كانت له صدمة أن يعرف موت أبيه قتيلاً.

     رسمية لديها أحزانها ، و قهر قديم لم تشفَ منه ، و هموم متشابكة ، ثقيلة على القلب. هى تود أخذ ثأر زوجها ، تود أهل القرية يقولون ابنها رجلاً ، أخذ بثأر أبيه.

لديها ناب ازرق لم و لن ينخلع، وأيضاً تحب مصطفى حباً جنونيا و فى قاع قلبها تتمنى له السلامة و المستقبل السعيد.

هذه المعضلة فى عادات اهل الصعيد ، جعلت رسمية لا تنام .منذ أن اخبرت ابنها بالسر ، تراكمت على صدرها جبال من الهموم.

     مصطفى سوف يرفض الأخذ بالثأر ، وهى قلبها تمزقه التناقضات.

وسوست لنفسها انا امرأه اكتوى قلبها بالنار ، ضاع من عمرى الكثير ، لم أنسَ زوجى يوماً.

فى الصباح اخذت البندقية القديمة و ذهبت إلى صيدلية الدكتور سيد ، واطلقت على صدره أربع خرطوشات .

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :