!!،،حديث الروح،،!!
لقاء مع روح أمى
د/علوى القاضى.
... كالشموع نحن نظهر بمظهر صلب وما إن تمر علينا نيران الذكريات نذوب ، ولسان حالنا يقول ؛ ياليتنا لم نكبر أبدا ، أنهكتنا الحياة بما يكفى ، وضاعت منا البراءة ، وأصبحنا غرباء حتى عن أنفسنا ، إشتقنا لأيام عشناها بين أحبابنا ، وكانت على الرغم من بساطتها مرتعا للسعادة والسكينة والطمأنينة
... أحبابى ؛ عندما يكتب أحدنا خواطره الحزينة فهو لايتوسل الشفقة من أحد ، ولكن فاض قلبه بما حصل من وجع فأراد أن يخفف عن نفسه ولو بالكتابة ، فدائما نكتب خواطرنا حتى لانختنق بالصمت
...كانت أمى أحن على من جفن عينى ، كان وجه أمى سلام يلازم قلبى ، ولما ماتت أمى مات السلام فى قلبى ، يارب إن أمى هى الأحب إلى قلبى وخير من أحسن إلى ، اللهم ارحمها ، من كانت كتفا وسندا وبركة وأمانا لى وأجمعنى بها فى جنتك
... وأنا بين اليقظة والمنام وتوفى الله نفسى عند منامها فالتقت روحى بروح أمى ، شكوت لها لوعة فراقها وقلت لها ؛ لو أن بإمكانها أن أجلس معها لدقائق لأحكى لها كم كانت قسوة الحياة بعد رحيلها ، وعن أقنعة البشر التى تساقطت عن مكانها الذى بقى فارغا ولم يستطيع أحد أن يملأه ، وعن الوقت الذى إستغرقته حتى أستوعبت أنها رحلت ولم ولن تعود ، وعن مدى الأسى والحزن الذى يسكننى حينما أشاهد صورها
... حقا أريد بضع دقائق معها أشرح فيها عن مافى قلبى من وجع لعل هذه الغصة تزول أو تخف حدتها
... اللهم ارحم من فقدناهم برحمتك
... أمى ؛ لا أنسى يوم كنت مريضا وجئت لتزورينى فتحاملت على نفسى ولبست الجديد وتعطرت وقابلتك وكأننى فى يوم عيد وليس بى مرضا ، ولما استأذنت أغشى على ، فسألتنى زوجتى لماذا تحاملت على نفسك هكذا فأجبتها بأن أنين الأبناء يعذب قلوب الأمهات وأخشى على أمى من أنين قلبها
... أمى ؛ أتمنى لو تجمعنا الحياة ولو للحظات لأحكى لك عن كل ما أشعر به ودون توقف وأحادثك عن الحياة بدونك وعن عظيم اشتياقى لسماع كلماتك وأحكى لك كل مايجول بخاطرى نحوك ، أشم رائحتك ، وأعانقك ، وأقبل يديك وقدميك ، وأرتمى فى حضنك الدافئ للمرة الأخيرة ثم أمضى
... أمى ؛ هل تعلمين أن أكثر شئ كان مرعبا لى هو تغير المشاعر ، فكرة أن القدر يأخذ أقرب الناس لى ويبعدهم عنى كان صعبا أنى استوعبها ، وصعب على أن أصدق وأقول لنفسى ؛ هؤلاء هم الذين كنا نضحك ونحزن ونشتكى معهم وأظل أناديهم ( أيها الأحياء تحت الأرض عودوا فإن الناس فوق الأرض قد ماتوا )
... أمى ؛ أعلم أننى سأمر فى حياتى بأمرين [ الصحه والموت ] ، وفى حالة المرض سيجتمع الناس حولى ليعودونى ويقدمون مااستطاعوا ثم بعد فترة سيملونى ويتركونى وحيدا وحينها سأتيقن أن أهم شئ عندى هو صحتى
... أما بعد موتك وفراقك لم أتخيل يوما أن ذلك سيحدث ، حينها أيقنت أن الدنيا لاتساوي شيئا فلا أحزن إذا منع الله عنى شيئا أحبه لأن فضل الله عليك سيكون عظيما
... أمى ؛ لاتسألينى كم أحبك فليس لحبك مقياس ، يوم فقدتك لم أجد أحدا أخبره بلوعة فراقك وأننى لست بخير فظللت أبكى بصمت
... أمى : كنت أعتقد أن من يحبني بصدق لن يرحل ولو أقسم مرارا وتكرارا ، لأنك ستبقى بجانبى حتى النهاية ، ستتحملينى فى عنادى وغضبى وقسوتى ومناخى السئ وطقسى المزعج ، فأنت تعلمين أن عصبيتى مؤقته ، وحزنى عابر ، وحبك لى سيعبر بكل تحملك لذلك لشاطئ المحبة فى شغاف قلبك
... أمى ؛ ماكل نفس نستطيع فراقها ،،، ففراق من سكن الفؤاد ممات
... أمى ؛ يقولون بعد فراقك سيحبك الجميع فجأة ، بل وسيسامحك أحبابك بلا عذر ، بل ويغفر أحبابك غيابك ، ويعلمون كم كنت جميلة ولكن سيكون ذلك فى الوقت الخطأ ، كذبوا والله كذبوا فى زعمهم هذا فقد غمر حبك قلوبنا واستولى على وجداننا وأنت بيننا وكنا نطلب منك أن تسامحينا وليس لك عندنا مسامحة ، وغيابك عنا إنما هو رفع درجات لك بجوار حبيبك المصطفى ( صل الله عليه وسلم ) وتشريف لك فى حضرة الله ( سبحانه وتعالى ) ، فقد كنت صوامة قوامة لايباريك فى ذلك كل العباد ولو اجتمعوا على قلب رجل واحد ، جعلك الله مشفعة وشافعة لنا ، فقد كنت جميلة القلب والقالب طيلة حياتك وبعد مماتك
... اللهم أنت حسبى حين تؤذينى الحياة ، وأنت اللطيف حين يضيق بى الوجع ، وأنت الجبار حين يكسرني الألم ، وأنت العون حين يمزقنى البكاء ، وبك النجاة حين أفقد الأمان والحيلة ، كن معى ياالله فلا حول ولا قوة إلا بك
... إلى أين أنت ذاهب بنا ياقطار الحياة ، أعدنا إلى الوراء ، فقد أضعنا فى الطريق أشياء ، وفقدنا أحباب وهربت منا أمنيات ، أعدنا إلى الطفولة ، فقد أدركنا كم كان جميل ذلك الوقت الذى فات ، مهلا ياقطار العمر فهنالك أمنيات ضاعت بالطريق
... أخى الكريم ؛ إن سألوك عن الفراق قل ؛ هو ثقب فى الجسد تتسرب منه الروح ، وسيف حاد يسير ببطء على القلب حتى يمزقه ، وقد ينجح الزمان أو أحدهم أن يجمع قلبك من جديد ، سيبدو قلبك ملتئما ، ولكن شئت أم أبيت لن يعود كما كان وسيظل هناك ألم لايشعر به سواك ولا يفهمه غيرك
... تحياتى ...