من الرماد تولد العنقاء
لا تبكي يا قدس فقد دبَّ
العار في مفاصل العُرْب
واستقوى الظَّلَمُ
لا يليق البكاء بمن أدمن
الموت والأبرياء ماعاد
يضيرهم الألم ،
يا قدس لست اليوم قضية
وفلسطين سبية
بالتنكيل تارة تذبح
وتارة بكل أنواع الإبادة
يقصفها الخصم والحكم
أنت الجزء والكل نازف
والداهية جعلك مطية
لننسى قتلانا وجرحانا
في غزة والجليل
في الضفة والخليل
ننسى شلاّل الدماء
في الجسد الكبير
ونبكي حين يئِنُّ القدم .
فيا شعوبا باليأس تلحفت
وعلى اليأس نامت في سبات
دعوا البكاء ، دعوا الشجب
فالتماسيح من عادتها تبكي
لا حبا في النحيب
ولكن من الغبش غاضتها الديم
ورجال بالكتاب يفتون
في تحليل النبيذ
إن كان من عرق وتين
وفي تحريم الفن وإن
كان من حبر أو طين
وأمام القتلى في يافا وعكا
في جنين
ينتابهم الصمم .
يا قدس لا تبكي
قد نفثنا الغضب كله كلاما
صنعنا رجوعك مع مطلع
كل عام أحلاما
فما عدت ولا عادت
الحقول والأجم
تبناك الشعراء حبا
كسرنا الأوزان
لبسنا الأحزان
فما أعادتك القصائد العصماء
ولا جف من هول النكسة الأقلام
وكنا نرفض الكيان ولو همسا
حتى علا سماك وطني
الحرف العبري والوسم
ومجدنا التليد عانقناه أوهاما
غنيناه في المقاهي سلاما
سطوره أسطورة
و حواشيه الظُلم
بطولاتنا بلا بوصلة
وربان سفننا ساعة الوغى القزم
والأذناب يطالبون بالقدس
و غزة بالرصاص مخضبة
وكأن الجسم العربي
أصابه بعد قوة السقم ،
أجدادنا قادوا وعاشوا للعز
قد شهد بصنيعهم
من في أقصى الأرض
وارتعد من صولتهم
الفرس والعجم
أجدادنا بالحكمة سادوا
وها أنتم العبيد والخدم ؛
فكيف تطلبون من الرب عتقا
وأنتم تصلون عرايا
في ثكنات العدا
وخيركم لأهله الصنم
أموالكم في الغرب ودائع
لياليكم الحمراء في المواخير فضائع
كتب أنبيائكم رهينة
أفكاركم في الخرافة سجينة
تمرغت من الضحك عليها الأمم
تقتنون كل أنواع الأسلحة
لا لطرد الأعداء
أو حماية البلاد من الأنواء
إنما لتقتلوا علماءكم
ونساءكم
وأبناءكم دريعتكم الردة
والحمق واللَّمَمُ؛
ترفلون في الخز حتى تجاوز
قصوركم حد البذخ
وضاقت بكم النِّعم
وشحتم صدر القاتل
نفطا ونقدا
ومنه نزلت عليكم النقم
صح النوم شيوخ القبيلة
فبلدانكم جوع وعراء
فقر وخوف وبغاء ،
فأين حاتم فيكم وأين الكرم
تآمرتم على بعضكم
وقطعتم الشرق أسواقا
للنار والتكفير فسخرت
من جهلكم الدول
حين غرقت في كيدها القمم
خسئتم سلالة الأمراض كلها
ما فيكم رجل يعيد للكرامة حرمة،
مات الذين شبت
في قلوبهم الهمم
وبقيتم صنيعة السيدان ،
حطب الطغيان ؛
جُهْمَ الوجوه، جبناءَ الأرض
تعلو سحنتكم الحُمَمُ،
تقدمون كل دقيقة الأبرياء
قرابين من أجل سلطة الكراسي
وتُفرون الأشلاء بسكين
الخيانة ولو غاب الوَضَم.
لا عهد لكم لا ذمة
لا حياء لكم لا حرمة
أيها الرضع من أنابيب
الخديعة
القادمون من مراحيض الغرب
ومن مستنقع الكراهية
سيتأسف من خستكم الندم
هرولتم مساء تباركون
للسِّيد ولاية ناعمة
فأعلن في الصبح
أن القدس لاحت له عاصمة
منحتم بعد التهاني خزائنكم
زيادة في الجود
وأنتم كما كنتم ولا زلتم
لنجدة المستجير
على سيقان الجواري النوم
ويحكم أين النخوة
أين الوفاء للأرض
وأين الشيم
أدميتم غيضا قيحا
قلوب الشعوب وعلى رقابهم
انهالت التهم
ويحكم من التاريخ
حين يسجل غدا
أن عصركم الذهبي
كنتم فيه للذل التخم ،
لحا الله من بالخيانة تمنطقوا
فلا هزبر زأر
ولا صقر صات
أو ذكَّرتْه بعد نسيان الذمم ..
هيهات تعيدون مجدا بعد ركوع
وسلاسل الرق في أرجلكم
فكيف ينجو من غرق
من يحسب في لجة البحر
خير من يغار منه العوم ..
يا شيوخ الخزي
والحضارة عنكم نأت
حين طواكم الغدر والعدم
ناطحات سحبكم
بواد في قمما لا زالت
ترعى الإبل والغنم.
فهل أمتي عاقر بعد خصب
وهل عف عن الإنجاب الرحم
لا تتوسلوا صلاح الدين
لا توقدوا المعتصم بأمره
ولا تزعجوا ابن الوليد في قبره
لا ولن يعود الموتى
فقد قضوا من أن أجل
أن يرفع صوت الحق
ويخفق للعدل البيرق والعلم ؛
لا الشام سهام
ولا أرض العروبة سلام
وقد أغرقها القهر
وأحرقتها الحمم .
يا أشباه الرجال تتنابحون جهرا
وليلا تعرون قينة
وتغضون الطرف
عن بلاد دجلة تغتصب
وأطفال في دمشق تستلب
وشيوخ تقصفهم الطائرات الحوَّم ..
كفرت
كفرت الآن
بكم وبعقولكم
بحياتكم
فلن يشفع لكم القسم .
فشكرا تمثال الحرية
على المؤامرة العلنية والسرية
شكرا سيدة العالم وقبلة الجبناء
داهية العصر
وقاتلة الأنبياء
معذرة هذا هو الرقي
وهذا هو الكرم
شكرا لقد عشش فينا الورم
لما استنسخت من الشر
طغاة ما عرفتها الإرم
ستعود الأرض المحتلة
حتما بكاملها وينتفض الحرم
وسيعود المحتل للشتات
لكن الركع أمام محرابك
سيهرمون بُهْمًا
حين يشهر الحبَّ
وطنا لكل الناس البُهَم
ويعلو صوت السلام
فوق أصواتهم رغم أنفك
وخَشْمِ مريديك وتأفل الغُمَم ،
سترقص القدس حرة
وعلى جبينها تلتئم اللحم ؛
هو تاريخ النكبات علمنا
أن كبوة الفارس حقبة
فاسألوا كسرى
كيف ذلّ ودانت لنا
قلادة النصر والتُّوَم ،
يا قدس لا تبكي
فالغدر طبع في العربي
منذ صفين على خد الوطن
تشهد به الرمم
يا قدس لا تبكي
فذل أن يبكي من أزرى به الوصم
لا تستجيري بالموتى ضمائرهم
فقدر العنقاء أن تولد
من حر الرماد وبذلك
علمتنا الحكم ...
محمد كابي المغرب