قصة قصيرة بِحَوافٍ مَقْطوعة
في رسالتها الأخيرة ذات الكلمات المبعثرة والخربشات العشوائية على هامش الورقة ورغم كثرة الأخطاء الإملائية إلا أن الإحساس وصل وطغى وبِقوة وخاصةً تلك النقطة الواقعة في نهاية السطر الرابع المائل ميول برج بيزا وكأنها دمعة ممزوجة بِكحل عيناها
لطالما أهتممت بالتفاصيل الصغيرة، فالحروف والقلوب والخربشة وبعض من الكلمات المتقاطعة والمربعات وتلك الوردة الوحيدة المرسومة على الهامش لها قيمة عندي أكثر من سطورها التائهة وما شد إنتباهي وكأنها أفرغت قلم حِبرها الأسود بالكامل وهي تنقش اسمي، كان داكِن اللون وقاتِمٌ جدًا، ولربما وهي تخط الإسم تتمتم بكلمات لم تبوح بها في سرد رسالتها ولكن ذاك البوح والهمس موجود ويبدو واضحًا بين سطورها رغم أنف ميلانها.
كانت الرسالة من ورقتيْن، بدأت بالتحية والسلام وانتهت بالتحية والعِتاب والمَلاَم ولكن على ظهر الورقة الثانية أسئلة كثيرة وإشارات إستفهام لم أجد لها جواب، وحددت لِقاء قادم في نفس المكان، هكذا فهمت، ولكنها لم تذكر اليوم ولا الساعة، لربما أعرف الساعة ولكن لا أستطيع تحديد اليوم.
الجلوس في ركن قَصِيّ وحيدًا مع الإنتظار مُملٌّ جدًا وخانق أيضًا والتَرقُّب مع الأفكار تظل في جيئة وذهاب وأنا لستُ في مزاج أن أجيب على أفكاري، مرَّ على اللِّقاء عشر دقائق وأظن وحسب مواعيدها الدقيقة المضبوطبة بأنها لن تأتي اليوم فاليوم ليس هو الموعد الغير محدد في رسالتها، كان عليّ منذ البداية أن أبعث لها رسالة مع ذاك الطفل الرَسُول الذي أحضر الرسالة لردت حينها وعرفت اليوم، في الحقيقة ذلك اليوم وقف ذاك الصبي منتظرًا ردي أو جوابي ولكن في حينها أردت أن أعرف اليوم من تلقاء نفسي وإجتاحني الصمت، فالحب والعشق يضعنا دائمًا في إختبارات لا طعم لها، حتى ذاك العِتاب في رسالتها لم يكن في محله ولا أعرف ما هو الذنب الذي إقترفته أو لعله يكون عِتاب شوق وإشتياق ولوعة
اليوم التالي وفي نفس المكان ونفس الساعة، طال هذه المرّة الإنتظار وكان في الجوار عاشقان قد نسجا حولهم قلب كبير من العشق والوله تشابكت أياديهم وكثرة الأعذار بينهم وودع أحدهم الاخر بعيون لم تكف عن الدمع، نظر لي الشاب وأومأ بحاجبه وغادر كليهما كعصفورين جمعهما جناح واحد وغادرت أنا المكان بتثاقل ومتعثر الخُطى وبقلب يصرخ بصوتٍ لم أعهده من قبل
اليوم الثالث كاليومين الذي قبله، عدتُ أدراجي لأمعن النظر في الرسالة وكأني رأيتُ تلويح يد وشممت رائحة البُعد، لم تكن الرسالة من ورقتين، كان العنوان المكتوب على ظرف الرسالة رسالةً لوحده، لقد أعدت قرأت العنوان عشرات المرات
في كل مرّة وأنا في الإنتظار كنت أترك باقة من الورود والأزهار على مقعدنا ولكن في المرّة الثانية كان نصيب الورود الحمراء لأولئك العصافير العاشقة المُغرِّدة
من كثرة غبائي وفرط عشقي ولوعتي وهيامي بقيت أتردد على مكاننا لسَبْعةُ أيامٍ مُتتالية وفي كل مرّة يطول مُكُوثي هناك، ما زلت أقرأ رسالتها كل يوم وليس بِحَوْزتي أو لم أجد في جَعْبتي أو في عقلي أي جواب لتساؤلاتها التى فاح منها الفِراق......
🖊الحسين صبري