المدينة تتلحف الحزن مثلما تلبس الثكلى ثياب الحداد ،رأيتها والغبار يعلو سماءها فيحجب النظر ،و يغطي المدينة بسحابة رمادية دكناء مرعبة تبعث الهلع في قلوب الناس، وقد زلزل الزلزال زلزالها وخرب بنيانها المتراصه فهوت في لمحة عين وعمت الفوضى قرية كانت آمنة ، فتدافع الناس بحثا عن ملجإ يحتمون به ،حتى الحيوانات لم تسلم من هول الكارثة لقد دقت نواقيس الخطر فكان الطبيعة صبت غضبها على بني البشر أو لعلها تريد ان تثأر لنفسها ممن ٱعتدوا عليها وٱنتهكوا حرمتها . حتي عصافير السنونو غادرت أوكارها فزعة نائحة مولولة . ملأ الهلع قلوب الأطفال اليتامى فوقفوا يبكون طللا دارسا ، ويبحون بين الأنقاض عن جثث موتاهم ويذرفون الدموع حزنا ولوعة على فراق الأهل وخراب الديار التي صارت طللا دارسا ،ومن بين الأنقاض تراءى لي طفل لم يتجاوز سنه السابعة،أشقر الشعر ،جميل الملامح ،غطت أثوابه هالة من الغبار حتى صار كحفار الرموس ،جثا الشبل على ركبتيه بعد أن أعياه البحث مازال صوت امه يرن في أذنيه وهي تئن تحت ركام التراب ،جاء باحثا عن شقيقته وأترابه حتى يلهو معهم في بطحاء الحي لكن يا خيبة المسعى، فجاة
سمع صوت والده وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ،كان يحرضه على الهرب وهو يقول:
_"ٱنج بنفسك بني فانت آخر جندي في هذه القلعه ""
"لوعة طفل"
بكى الشبل من جرح كاد يدميه
عسى الدموع إن سالت ستسقيه
موت الأحبة يذكي نار لوعته
فلا الكتمان و لا الصبر سينسيه
راح الذي كان بالأمس يسنده
فلا أنيس ولا طبيب يشفيه
أين الأحبة ؟ أين هم ذهبوا ؟
بعد الأحبة عن الدار يشقيه
تركوا الديار، ها همو رحلوا
ما عاد للطفل خلّ يواسيه...
لطيفة حمدي/ تونس :9 فيفري 2023