رحلة قطرة
محمد حسام الدين دويدري
ــــــــــــــــــــــ
وجدتُ لقطرةِ الماءِ الزلالِ=مِنَ الأحوالِ ما يَجتاحُ حالي
وفيها مِنْ بديع الخلق صنعٌ=يُمَثِّل في الورى كلّ احتمالِ
فإنْ كانت بِصَدرِ الغيم أرسَتْ=على البَطحاءِ أفياءَ الظلالِ
وإنْ نزلتْ على الأغصانِ روَّت=ثغور الزهر في خير امتثالِ
لتغدو خُضرة غَنَّاءَ تعني=جمالَ النفسِ في سعي الكمالِ
لتجعلَ مِنْ تودُّدِها عطاءً=وسعياً في مدى الرزق الحلالِ
فإنْ سقطت على الأوحال أمستْ=ملوّثة, وديست بالنِعالِ
فسار بها المَسيل إلى الزوايا=وغيضت في المسالك والرمالِ
وقد ترسو بجوف الأرض دهراً=وقد يسعى بها دربُ ارتِحالِ
إلى أنْ تمتطي مِلحاًً أجاجاً=مع الأمواج في عصف المآلِ
فتُضرَب بالصخورِ, وتعتليها=وتعبرُها السفائن بالحِمالِ
لترجعَ في ضياءِ الشمسِ ظلاً=طَهوراًً يجتبي لون الجمالِ
يلوذ بفيئه العصفور طوراً=ويسعى طالباً طيب النوالِ
يغرّد شاكراً, يصحو ويمسي=يسبِّح مستجيراً ذا الجلالِ
لتهطلَ فوق تُربِ الأرض, تسقي=زروعَ الخير في درب اكتِمالِ
فسبحان الذي جعل الليالي=ككنزٍ ناقصٍ, تتلو الخوالي
لِنَكنزَ في خزائنها رصيداً=من الأعمال في حُسنِ الخصالِ
ويَنتهيَ المطافُ بنا, ونمضي=لآخرةٍ بها العيش المِثالي
فإمَّا جنَّة في خير مأوى=وإما في الجحيم بلا جدال
إلهي فاختم العيش انتصاراً=على الآثامِ والكسبِ المُغالي
فقد تَعِبَ الفؤاد, وبتُّ أرجو=خلاصاً, حيث ضاق بي احتمالي
وقد أضحت دروبُ الناس ساحاً=لأصناف الخديعة والنزالِ
فهذا يأكل الأموال ظلماً=وذا مُستَمرئ ذُلَّ السؤال
وذا بالقهر يجتاح البرايا=فيبطش بالنساء وبالرجالِ
وذا يسعى إلى غِيٍّ وجَهلٍ=وطمسِ عقولِ مَنْ راموا المَعالي
فهل مِنْ مُصلحٍ يسقي رؤانا=بترياق التَوَدُّدِ والوصالِ
وقد صِرنا إلى قفرِ الخَطايا=نحاصَرُ بالحرابِ وبالنبالِ
ونستجدي قراصنة غزونا=بأصناف الشِباكِ وبالحِبالِ
فأغرونا بتفرقةٍ وضعفٍ=وإتلاف العزائم والغلالِ
لنغدو في تراب الأرض شلواً=تناوشه الزواحف والسحالي
وتبقى الأرض تشكو بائعيها=وتلعن فعلهم في كلّ آلِ
فقد هجروا شرائعهم وباتوا=الطرائد في الجنوب وفي الشمال
فياربّ اهدنا واحقن دماءً=غدت كالسيل من أعلى الجبالِ
وأيقظنا بِهَديك, واحتسبنا=كعيث طاهرٍ عذبٍ زلال
....................ِ
الخميس 29 / 10 / 2015