«(:)»مجالس القاضي الرمضانية«(:)»
المجلس السادس والعشرون
إدارة : د/علوي القاضي.
... إنطلق مدفع الإفطار وأذن المغرب ، وتوجه الجميع نحو مائدة الرحمن ، وكانت المفاجأة ، أن الخادم الذى يقدم الطعام طبيب ، والذي يوزع التمر لواء متقاعد ، والذى ينظم المائدة مدير عام ، وكلهم لم يتناولوا إفطارهم إلا بعد أن إطمأنوا أن الجميع إكتفى من الطعام ، والأكثر من ذلك أن من قام بتجهيز الإفطار ثم تنظيف المائدة أخوات فضليات كلهن فى مراكز علمية وإدارية مرموقة ، هذا الجمع الطيب باختلاف فئاته وأطيافه لم يجمعه إلا كلمه واحدة هى أخلاق (الإسلام الوسطي) والتربية في (مدرسة الحبيب محمد "ص") التى علمتنا الحب ، والتعاطف ، والبذل ، والعطاء ، والوفاء ، والأهم من هذا كله (التواضع) ، وأيماننا الجازم بأن من تواضع لله رفعه ، هذه صفة يتصف بها الأنبياء والملائكة فإن الكبرياء لله وحده ، وكل المناصب وأصحابها زائلين ولادائم إلا وجه الله سبحانه وتعالى جل شأنه وعلت قدرته
... بعد حمد الله والثناء عليه بإسمه الكبير المتعال والصلاة والسلام على نبيه وتوحيد القصد لله والدعاء بالتوفيق ، بدأت الدرس
... يقول المولى عز وجل فى الحديث القدسى (الكبرياء ردائى والعظمة إزارى فمن نازعنى فيهما أذقته عذابي ولا أبالي)
... فمن تواضع لله رفعه لذلك يجب علينا أن يسأل بعضنا بعضا (هل أنت متواضع حقا ؟!) و (هل تعلم ماذا تعني كلمة تواضع ؟!) و (هل تعلم أن هناك فرق كبير بين التواضع وعدم إحترام الذات ؟!)
... هناك جملة مشهورة تقول (التواضع ليس معناه أن تعتقد وتتصرف على أنك قليل القيمة ، إنما التواضع أن يكون مقترنا بإعتزازك بنفسك ، بمعنى أن تقلل التفكير في نفسك حتى لاتغتر بها)
... أحبابى سلوك التواضع يبدأ مع تربية الإنسان من صغره ، وهذا يختلف عن مايربى على تعلم الغطرسة والغرور ، وهذا سلوك غير مستحب ، وسوء في التربية
... والشخص المتعال المتكبر مكروه ومذموم من العباد ورب العباد ولايطاق ممن حوله ، ويجب علينا نصحه ، أن لايتكبر علي الناس ، ولايرسم نفسه أمام أصحابه ، ويراعي مشاعرهم وضعفهم
... كل هذه النصائح الجميلة تجعل الإنسان شخص متواضع ، قريب من الناس وقريب من الله
... ولكن للأسف هناك من يعتقد أن مع هذا السلوك المتواضع ، أحيانا يضيع مفهوم القيمة الشخصية ! ، ويعتقد بعض الأشخاص أن التواضع يعني ضياع لقيمته الشخصية ، أبدا فهو مجرد إحترام لقيمة الٱخر مع الإحتفاظ بقيمتك !
... أخي الكريم ، لاتتكبر علي أحد ، لكن إياك وأن تسمح لأحد أن يتكبر عليك ، بمعنى أن لاترسم نفسك أمام أصحابك ، وفي نفس الوقت إعرف تماما قيمتك ومقدارك!
يقول الشاعر :
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر
على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه
فى طبقات الجو وهو وضيع
... نعم راع مشاعرهم وضعفهم ، واخفض جناحك للمؤمنين ، لكن تعامل دائما بعزة نفس واستحقاق ولاتنسى مشاعرك وضعفاتك
... فإحترام وجود الٱخر لايتحقق بالتنكيل أو المساس بوجودك ولا يكون على حساب كرامتك !
... سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم ، ضرب لنا أروع مثل فى التواضع ، فكل سيرته الذاتيه تواضع ، وهو الذي صعد إلى السماء السابعة واقترب من العرش ، ولم يسبقه بشر ، وعاد إلى الأرض يحلب شاته ويخصف نعله ويساعد أهله ويواسي طفلا مات عصفوره ، ويذهب مع طفلة ليشفع لها عند سيدها
... أخى الكريم أقول لك من أجل أن (توافق) لابد وأن يكون من حقك أنك (لاتوافق) ، وعلي نفس النسق ، من أجل أن تقرر إنك تريد أن لاترى ، فمن الضروري يكون من مقدرتك أن ترى !
... فالتواضع هو إثبات حقيقي لقيمة الإنسان ووجوده وشخصيته ، فهو متواضع لأنه يعلم جوهره بكل تأكيد وواثق في كينونته ، ولايعانى من عقدة نقص أو مشاكل مع نجاحات من حوله ، فبكل وعيه وحريته يقرر أن يحب الناس ويحتوي عيوبهم ، وبكامل إرادته يقرر أن يتغلب علي الأنا التي بداخله ويرفض أن يبقي المحور الوحيد للحدث أو الموقف !
... فالإنسان المتواضع إنسان قوي وصاحب كرامة ، إنما التواضع النابع من عجز أو قصور في الشخصية يكون سببه الفشل والضعف وقلة الحيلة
... وليس معنى التواضع أن يستغلك غيرك ويتعدى على حقوقك فهذه إهانة حقيقية لجوهر الانسان ، فالشخص حينما يسمح لأحد أن يتعدي علي حقوقه أو كيانه تحت مبرر أنه شخص متواضع ! يعد هذا إهدار لكرامته ، وهذا الإنسان يكذب علي نفسه وأجبن من أنه يعترف بخزيه وإفلاسه !
.. التواضع ليس أن تكون كل الصورة ، ويكفيك أن تكون فيها ، فلاتقبل أن تكون خارجها
... وكونك أن تصل بالمساعدات للفقراء بنفسك حتى بيوتهم فهذه من شيم الكرام المتواضعين ، ولكن إياك ياأخى الكريم أن تقع فى المحظور وهو (اللقطة) ، فهى مرض قديم حديث فحرصك أن تصور نفسك وتشهد الناس على أنك تواضعت وقدمت مساعدة لفقير ، فهذا سلوك مذموم يرفضه الإسلام دين الإنسانية ، وإن شئت فقل هو متاجرة بٱلام الناس ، ألا تعلم أن ستر المسلم أولي من فضيحته ، ألا تعلم أن درأ المفاسد مقدم علي جلب المصالح ، كنت أظن أن هذه الصور لاتظهر إلا في فترة الإنتخابات فقط ولكنها للأسف ظهرت في هذا الشهر الكريم ، اللهم إنا نبرأ مما يعملون ، اللهم اهد قومي فانهم لايعلمون
... أحبابي هل تعلمون ماهي الثقافه البائسة ؟!
... الثقافة البائسة هي ثقافة الكبر والعجب ، وهى عكس ثقافة التواضع تماما لأنك دائما تقول (إذا أعطاني هدية ، أعطيه !) ، (إذا اتصل بي ، أتصل به !) ، (إذا حضر عزومتي ، أحضر عزومته !) ، (إذا عزاني ، أعزيه !)
... أخى الحبيب ليس من التواضع أن تعامل الناس بالعواطف والهبات والهدايا أو بمقياس البيع والشراء ، ولابميزان الربح والخسارة ،
بل عاملهم بالكرم والجود ،
ومن منعك شيئاً فأعطِه أنت ، هذه أعلى سمات البذل والعطاء ، والتواضع من العطاء النفسي ، لأنك ستعيش مرة واحدة على هذه الأرض ، إذا أخطأت إعتذر تواضعا ، ولاتكن صامتا ، إجعل من يراك يتمنى أن يكون متواضع مثلك ، ومن يعرفك يدعو لك بالخير ، ومن يسمع عنك يتمنى مقابلتك ، فمن تعطر بأخلاق المتواضعين لن يجف عطره حتى لو كان تحت التراب
... أحبابى ، طوبي لمن شغله عيبه مثل (الكبر) عن عيوب غيره ، قبل أن تفكر أن تنتقد أحد تأكد أولا أن المشكلة ليست عندك أنت ، وقبل أن تركز مع عيوب الناس ، ركز في عيوبك أولا وأصلَّحها
... وأولا بأول نظف الشباك الذي تنظر منه علي من حولك ، أنظر لنفسك بدقة قبل ماتنظر لغيرك وتنتقده
... ماتعملش زي الزوجة التي تنظر علي غسيل جارتها وتراه دائما غير نظيف ودائما تنتقدها ، وكل ماجارتهم تنشر غسيلها تقول نفس الكلام ، حتى جاء زوجها ونظف زجاج شباكهم من التراب ، بعد ذلك ظهر الغسيل نظيف وكانت المشكلة في الشباك
... إعملوا بتواضعكم لآخرتكم فإن الدنيا لاتستقيم لأحد فإنها (إذا حلت أوحلت ، وإذا جلت أوجلت ، وإذا كست أوكست ، وإذا أينعت نعت ، وإذا جفت أوجفت
... فكم من قبور تبنى وماتبنا ، وكم من مريض عدنا وماعدنا ، وكم من ملك رفعت له علامات ، فلما علا مات
... أسأل الله لي ولكم السلامة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
... هدانا الله وإياكم لما فيه خير لأنفسنا وغيرنا
... تحياتي ...