الأحد، 14 أبريل 2024

Hiamemaloha

خاطرة / سألني سائل لماذا الكتابة ؟ للكاتب أسامة الحنشي

 سالني سائل..لماذا الكتابة؟

كان السؤال مباغتا ودون أية توطئة..حاولت في عجالة أن أتبين الغاية من السؤال ..هل هو نابع من حس الرجل المهتم بالأدب والشعر..الملم بصنوف الكتابة والإبداع؟..أم هو سؤال لين لزج موسوم بالحذلقة.. خلف سحبه تتطاير فقاعات هواء لتتهاوى على أرض الحقيقة ؟ فلا تحدث صوتا ..لاطروبا ولا نساجا..ولاتترك أثرا يمتعض منه ..ولايرجى وينتفع به..من ابتسامة الرجل الباهتة ومن حدقتي عينيه الواسعتين  أحسست بلفحة المستفزالذي لا ينوي على شيء سوى تعكير المزاج..تحاملت على نفسي وقبلت السؤال بصدر أرحب من ضفاف لكوس ..وشنفت مسامعه بجواب به نكهة كرم حاتمية. 

ممالاشك فيه أن الإنسان لايمكنه العيش خارج الغلاف الجوي لأنه مرتبط بالأكسجين.. عمق وعبق الحياة..كذلك الشأن بالنسبة لي لايمكن أن أعيش ..خارج جو الكتابة وطقوسها..فهي تمثل لي الأكسجين الذي ينظف رئة رؤاي وينظم مجاري أفكاري ..لايمكن أن أتنفس من غير فعل الكتابة ..وإن كانت عوالمه متباينة ومتشابكة بذات الوقت.. فأنا مدمن كتابة وغيري مدمن قراءة أو دخان أو كحول  الخ...وهذا لايعني ان الكتابة متاحة للجميع..الكتابة سهلة وصعبة.. سهلة لأنها مجرد حروف ترسم على ورقة عذراء أوترقن على لوحة مفاتيح حاسوب..وصعبة لأنها محملة بمعاني وأحداث وحكايا تتصاعد أحزانا وآلاما ووقائعا..إنها بصمات على وجه الحياة البلوري.. وخدوش ناتئة بصفحة الأمجاد ..ولاتعتقد ياسائلي أن الكتابة عروس سهلة طيعة تمنح لجها لكل من راودها على نفسها..بل هي بهية أبية تصد ولاترد..تمنع وتلسع..تنصاع بحنو للمجد المكد..للمعاند المكابد..وتنفر من فقير الكلمة ..عديم كرم اللفظ ..بخيل المعنى ..ركيك المبنى المتحذلق المتكبر..الكتابة امرأة تحتاج لم يحس بها..لمن يغازلها..لمن يقدرها ويحترمها.. يعزها ويكرمها. 

بمنأى عن التعريف الاصطلاحي فالكتابة هي التي تمكنني من تحسس مساري في مكان معين  ..وفي حالة خاصة من السكون..وفي ظلمة خارجية تآزرها غيمة داخلية..لاأحد يجبرني على الكتابة..فالرغبة تثمر بأشجار مشاعري بكل الفصول..عندما أتحول إلى سيد وعبد لفعل الكتابة لا أفكر بما سأكتبه ولكن أنا على يقين وعلى قناعة تامة بان الكتابة هي وسيلتي الأكثر تطرفا.. لتدخلني من أقواس بوابة الحرية ..وان كنت متأكدا أنني سأخضع لعملية التفتيش في حضرة رجال الجمارك ..وما أخشاه هو أن يصادروا لغتي التي لا تناسب أذواقهم وعقائدهم وتوجهاتهم الحزبية والطائفية..فهي وسيلة مواجهة وهجوم..تصدي وإقبال..تضاد وتواد..غليان وهدوء.. تفاعل وإبداع..وجدان ومودة..حلول وفناء.

ياسائلي المحترم: لاأعتقد ..ولكن أومن بأن فعل الكتابة فعل مرن لين طيع لمن ثابر وكابر وتحدى.. فطقوسه تجبرنا طواعية وقهرا أن نصرفه في أزمنة الرقي والسمووالاستثناء..أزمنة الإبهار والإقناع..أزمنة الجدب والعطاء.

لأن الكتابة في حد ذاتها حكمة منبثقة من انبساج الروح الطاهرة النقية ..لتتمظهرفي ذلك السيل والدفق العاطفي ..ليشكل بدوره انسجاما نسيجيا مع الذاكرة..دائما في التحام علائقي مع الثقافة الذاتية والجماعية.

لا أفتر عن محاولة طرد غرور الأنا من خلايا كتاباتي ومقومات فكري..ولاأتوقف عن التملص من الوهم المعرفي ..مقتنعا بأن ما أنا عليه هو النسخة الأصيلة الأصلية..هو المقدر والمكتوب المعلن..هو هيولة النورالحتمية..لكن الطموحات لا تتوقف..والآمال لاسقف لها.

ودافعي للكتابة هو ذلك الشريان الرابط بين صفاء ظلمة قلبي..ونقاء عوالم مخيلتي..وبراءة فضاءات أحلامي..دافع أفكار ومشاعر الانسان الذي أعكسه بعيون الناس..والصدى الذي يظل يتردد بمنابر الخطاب. 

أنا لاأمتلك القدرة على الكتابة بشكل خرافي دائم ..وإنما كتاباتي  مرتبطة بتقلبات سماء فكري ..وسحبي المزاجية..وأمواجي المتأرجحة بين مد وجزر.. ومتعلقة بما تتضمنه من عواصف عاطفية ..وزخات متناقضة بين الأمل والألم..وبما تعايشه من نوبات تائهة بين المنطق واللامنطق ..بين الهذيان والجنون..تحت تأثير جرعة مصل المعاناة.

لهذا ياسائلي الوقورأنا أكتب أو أكاد..مادامت اللغة  امتدادا لحواسي ومشاعري..وفيضا لطموحاتي وأحلامي ..أنا مجرد صانع كلمات يتخذ من الورقة العذراء سندانا ومن القلم مطرقة ..يعالج موضوعا ويبني نصا ..قد يطلق بعد مخاض و عناء سراح قصيدة.

تأكد ياسائلي أنه باللباقة يمكن أن تحصل على الجواب الذي قد يرضيك.. ويرضي مشاكساتك ومناوشاتك ..ربما حتى من غيرطرح السؤال  المغلف بنوايا خريفية.

أسامة الحنشي

14\04\2024

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :