أضغاث على ربى قرطاج
..حين يمتطي الظلام ظهور الجبال ويمدّ جناحيه ليملأ الأفق سوادا. وينام العالم على وسادة الليل ولا يبقى في الغابة الغنّاء سوى نعيق يردد أصداء عبث هذا الوجود .أخرج من قمقمي وأفارق وسادتي التي تعيد على مسامعي ما رويته لها ذات لحظة عشق فريدة. كنت أتأمّل عظمة هذا الكون المكتظ بضجيج الصّمت المختلط بطنين الوهم.أتقدم كالشبح الذي ضلّ طريقه وأندفع كالنّازل من علوّ يدفعني شوق نبيّ الى المزيد من التقدم.قادتني خطواتي الى عبق التاريخ وملح الجغرافيا.انها مرتفعات قرطاج. يا الله..كم توقف الزمن هنا ليرسم حضارة راقصت الذئاب ولاعبت الشّهب وأرضعت العواصف من أصابعها..تحت هذه التّلّة مرّ صدربعل ذليلا صاغرا يقبّل أقدام الغزاة.. وهناك رماد زوجته التي فضلت النار على العار. وهنا سطّر القائد ذو العين الواحدة-أروع ملاحم البطولة التي ترسبت في أعماقه وجرت مع دمه . كل هذه الخواطر داهمتني وأنا أتقدم ...تسمرت أمام صنم لفتى يافع ذو قسمات صارمة يحتضن فتاة-البدر خالها والشمس تشبه أمها-.. أخفيت دمعة تخاتلني لتسيل على خدّي .حينها تذكّرتك يا حبيبتي ورأيتك في الفتاة التي يحتضنها الصّنم .مددت يدي لامسح غبار السنين على وجهك .فجأة تحركت الفتاة الصنم وقالت..سيدي أتصنع لي معروفا وتساعدني على الوقوف بشكل جيّد.نفّذت ما طلبته مني وهممت بأن احتضنها وأترشف بعينيّ وميض أجفانها الحالمة ولأثأر من الظروف التي سلبتها منّي..انتبهت وقد أمسكت الفتاة يدي وسارت خطوات قليلة ثم انحنت لتزيل صخرة ليست بالكبير وهي تقول..هنا كنوز قرطاج كلها..أرجوك سيدي ساعدني على حملها الى السوق لأبيعها وبثمنها أشتري حياة أخرى لي و لحبيبي الذي رأيته منذ حين يحتضنني . ابتسمت وقلت بصوت كالهمس..تشترين حياة أخرى ؟ .. نحن نؤمن بذلك والّا فما جدوى القرابين التي قدمناها للآلهة ؟مادت الارض تحت أقدامي وآنطلقت كالسهم في محاولة للخروج من مدار ها فتعثرت ساقي.. مددت يدي لأتثبت من هذا الشيء الذي اصطدمت به فاذا هي وسادتي اللعينة قرّبتك من صدري يا وسادتي فألفيتك صنما يا حبيبتي.
قيس البغدادي.ع.العبيدي