لَهِيبُ الهَجْر
قَدْ يَسْكُنُ الهَجْرُ مَنْ أَهْوَى أُسَامِرُهُ
مِنْ بَعْدِ مَا غَيّبَتْ رُوحِي سَرائِرُهُ
وَكَمْ لَهُ مِنْ فَتِيلٍ فِي الهَوى لَهَبٍ
وَكَمْ لَهُ مِنْ وِصَالٍ لا يُشَاطِرُهُ
هَجْرٌ يَرَى اللَّيْلَ مِنْ إِحْدَى نَوَافِذِهِ
فَكَيْفَ يَحْلُو بِهِ نَوْمٌ يُبَاشِرُهُ
فَإِنْ تَرَاكَمَتِ الأَسْبَابُ وَانْعَكَسَتْ
لَيْلًا ، سَتُؤْذِي وَلَا تَرْقَى مَشاعِرُهُ
كَمْ لَيْلَةٍ غُصْتُ فِي الأَحْلامِ مُرْتَجِفًا
وَالحُلمُ فِي اللَّيْلِ كَابُوسٌ يُحَاصِرُهُ
تَسْتَلْطِفُ النّوْمَ أوْقاتًا وَإِنْ هَجَدَتْ
عَيْنَاكَ مِنْ غَفْوَةٍ سُنَّتْ أَظَافِرُهُ
كُلٌّ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ النَّوْمِ مِنْ أَرَقٍ
يَسْرِي جُنُونًا وَقَدْ ضَاعَتْ خَواطِرُهُ
إِنَّ السُّهَادَ الّذِي لَا يَسْتَحِي وَجَعًا
مَنْ يَطْلُبِ القُرْبَ تَفْتِكْهُ بَوَاتِرُهُ
فَلَيْلَةٌ مِنْ هُجُوعٍ لَوْ مَرَرْتَ بِهَا
كَقَعْرِ جُبٍّ وَلَمْ تُحْفَرْ مَقَابِرُهُ
إِنّي وَجَدْتُ دُمُوعَ العَيْنِ مُذْرَفَةً
وَالطَّفْحُ بِالخَدّ مِنْ كُحْلٍ يُجَاوِرُهُ
فَيَا لَهُ مِنْ فُؤَادٍ كُلَّمَا ضُرِبَتْ
أَعْمَاقُهُ، نَزَفَتْ فِينَا مَعَاصِرُهُ
إِنّي كَوَيْتُ نُدُوبَ الجُرْحِ مُنْزفَةً
وَكُلُّ نَزْفٍ مِنَ الأوْصَالِ فَائِرُهُ
وَالنَّفْسُ إِنْ لَظِيَتْ بِالهَجْرِ عَنْ كَثَبٍ
كَالفَحْمِ إِنْ أَهْمَلُوا شَبَّتْ مَشَاحِرُهُ
بُعْدُ الحَبِيبِ رَبَا وَالرُّوحُ مُكْتَئِبٌ
وَالبَالُ لَا يَرْتَوِي حَتى يُعاَشِرُهُ
وَمَنْ يَكُنْ مِنْ لِسَانِ الصِّدْقِ مَنْطِقُهُ
دَامَ الوَفَاءُ وَلَوْ طَالَتْ مَآثِرُهُ
وَإِنْ رَكِبْتَ بُحُورًا فَلْتَكُنْ حَذِقا
وَاحْذَرْ هُبُوبًا فَقَدْ تُؤْذَى بَوَاخِرُهُ
د. محمد خالد الأمين