ظِلَالُ مِرْآةٍ مُبَلَّلَة 4
"ألَمٌ بِطَعْمِ النُّور"
جَلَسَاتٌ تَتَوَالَى... وَأَنَا أُولَدُ مِنْ جَدِيد،
أَخْلَعُ ثَوْبَ التَّعَلُّقِ كَجِلْدِ أَفْعَى،
وَأَرَى وَجْهِي فِي مِرْآتهِ... لَا وُجُوهَ الآخَرِينَ.
أَتَعَلَّمُ أَنْ أُعَانِقَ ظِلِّي دُونَ خَوْف،
وَأَحْتَضِنَ حَاجَاتِي دُونَ أَنْ أُسْقِطَهَا عَلَى سِوَايَ.
كُنْتُ... أَهْرُبُ مِنْ... مُوَاجَهَةِ صَدَى صَوْتِي
إِلَى... صَوْتِهِ الْهَادِئِ الْوَاثِق،
وَأَرْتَدِي ثَوْبَ الضَّعِيفَةِ الْمُحْتَاجَة،
لِأُبَرِّرَ عَجْزِي عَنْ مُوَاجَهَةِ قُوَّتِي.
كُنْتُ أَبْحَثُ فِي عَيْنَيْهِ عَنْ نَظْرَةِ تَقْدِير،
بَيْنَمَا النَّظْرَةُ لِنَفْسِي كَانَتْ تَمْتَلِئُ بِالاِزْدِرَاءِ.
"وَأَرَى فِيكِ امْرَأَةً تَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ
دُونَ سَنَدٍ غَيْرِ إِيمَانِهَا بِذَاتِهَا"،
لِيُتَابِعَ وَيَقُولَ:
"وَأَرَى فِيكِ أَلَمًا جَمِيلًا يَتَحَوَّلُ إِلَى حِكْمَة،
وَجُرُوحًا تَتَحَوَّلُ نَوَافِذَ لِلنُّور،
وَأَرَى فِيكِ... قِصَّةً تَسْتَحِقُّ أَنْ تُرْوَى
مِنْ قِبَلِكِ، لَا مِنْ حَكَايَا الآخَرِينَ."
وَهَأَنَذَا... أَفُكُّ قُيُودَ أَوْهَامِي كَعُصْفُورٍ،
وَأَخْرُجُ مِنْ كَهْفِ الْخَوْفِ إِلَى فَضَاءِ الاِحْتِمَالَات،
أَغْسِلُ وَجْهِي بِمَاءِ الْحَقِيقَةِ الْمُرَّةِ الْعَذْبَة،
وَأَشْعُرُ بِأَلَمٍ لَذِيذٍ... كَأَلَمِ الْعَضَلَاتِ بَعْدَ تَمْرِينٍ طَوِيل.
قَلْبِي شَغُفٌ لَهُ، وَلَكِنَّهُ الآنَ لِمُعَلِّمِهِ،
لَا تَوْقُ الْعَاشِقَةِ لِحَبِيبِهَا.
وَفِي آخِرِ جَلْسَةٍ... لَا أَبْكِي،
أَحْمِلُ حَقِيبَتِي بِلَا أَثْقَالِ الْمَاضِي،
يَمُدُّ يَدَهُ لِلْوَدَاع،
فَأَمُدُّ يَدِي بِثِقَةٍ،
بِاِبْتِسَامَةٍ هَادِئَةٍ...
كَمَنْ عَبَرَ نَهْرًا عَمِيقًا، وَبَلَغَ الضِّفَّةَ الأُخْرَى مُنْتَصِرًا.
"شُكْرًا لِأَنَّكَ كُنْتَ مِرْآةً لَمْ تَنْكَسِر"،
"شُكْرًا لِأَنَّكَ أَرَيْتَنِي وَجْهِيَ الْحَقِيقِيَّ،
لَا مَا أَرَدْتُ رُؤْيَتَهُ".
فِي الطَّرِيقِ خَارِجَ الْعِيَادَة،
أَرَى اِنْعِكَاسِي فِي نَافِذَةِ الْمَبْنَى،
لِامْرَأَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الَّتِي كَانَت...
تَحْمِلُ نَفْسَ الْمَلَامِح،
وَلَكِنْ بِعَيْنَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْن،
وَبِخُطْوَةِ الثِّقَةِ نَحْوَ مُسْتَقْبَلٍ غَامِض.
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الْمَرَايَا الصَّادِقَةَ
هِيَ مَنْ تُؤْلِمُ أَوَّلًا،
ثُمَّ تَمْنَحُنَا الْفُرْصَةَ لِرُؤْيَةِ أَنْفُسِنَا كَمَا نَحْنُ،
لَا كَمَا نَتَوَهَّم،
لَا كَمَا نُحِبُّ أَنْ نَكُون.
( محمد الحسيني )