الأحد، 18 مايو 2025

Hiamemaloha

بكائية الفتى السومري للشاعر حميد العادلي

 ---


بُكائيَّةُ الفَتى السُّومَرِيّ

(عِندَما تُرضِعُكَ الحَربُ)


إنَّها الحَربُ،

بِفِتنتِها، بِخَلاعَتِها،

بِجَبَروتِها، بِرَعانَتِها،

بِدِمائِها، بِسَلامِها،

أنجَبَتْنِي مِن خاصِرَةِ الوَجَعِ،

ومَرَّرَتْ أَصابِعَها الحَمراءَ

فَوقَ جَبِينِي وَشْمًا صِينِيًّا!


الطِّفْلُ في داخِلِي

يَنُوحُ كَحَمامَةٍ ثَكْلَى

فَقَدَتْ ما فَقَدَتْ،

لَكِنَّ الأَمَلَ يَرسُمُ في عَيْنَيْها

غُصْنًا أَخْضَرَ!


مُثْقَلًا بِالهُراءِ،

وبِقَايَا حِكاياتٍ

مُلطَّخَةٍ بِسُخامِ الأَيّامِ،

كَيْفَ أَشْفَى مِنَ الحَربِ؟


وُلِدتُ فيها،

كَبِرتُ مَعَها،

أَحَبَّتْنِي وَكَرِهْتُها،

تَلهُو بِي كَماجِنَةٍ لَعُوبٍ،

سَرَقَتْنِي مِن مَهدِيَ الدّافِئِ

لأَجِدَ نَفْسِي

مُشَقَّقَ الشَّفَتَيْنِ،

أَرضَعُ قَنِّينَةَ حَلِيبِ الوَجَعِ

وَسْطَ أَحْضانِ الدُّمُوعِ!


رُبَّما، أَيَّتُها الدّامِيَةُ،

إِنَّ أَقدارِي

أَتْعَسُ مِنِّي

لأَكُونَ أَنَا المِنْجَلَ الصَّدِئَ،

حَجَرَ الرَّحَى،

ظَلامَ اللَّيْلِ،

قَوانِينَ اللَّهْوِ،

قَوامِيسَ الفَجاجَةِ!


نَعَم، يا سَيِّدَتِي الماجِنَةَ،

أَنَا الوَلَدُ المَسْرُوقُ

غَداةَ نَهارٍ أَحمَرَ،

أَغْفُو عَلى ذِراعَيْكِ

دُونَ حُبٍّ،

أَنامُ بِكَوَابِيسِكِ،

أَتَنَفَّسُ دِماءَ ضَحاياكِ!


نَعَم، يا سَيِّدَتِي الماجِنَةَ،

ما زالَ الدُّخانُ

يَسكُنُ رِئَتَيَّ

كَأَيِّ ضَيْفٍ لا يَعرِفُ

طَريقَ المُغادَرَةِ!


وأَنَا أَلهُو بِخُصلاتِ شَعرِكِ،

مَرَّ مِن أَمامِي

الصِّغارُ والكِبارُ،

الصَّعالِيكُ وَالقِدِّيسُونَ،

الأَنبِياءُ،

التُّجَّارُ،

الجَنَرالاتُ،

الخَوَنَةُ وَالعُمَلاءُ،

بائِعاتُ الهَوَى،

شُيوخُ العَشِيرَةِ،

النَّخلُ المَحْرُوقُ،

الفَجرُ الذّابِلُ،

المُدُنُ المُحْتَرِقَةُ،

الكِلابُ المُرْتَجِفَةُ،


كُلُّهُم مَرُّوا

زُرافاتٍ وَوُحدانًا،

أَقدامُهُمُ المُحْتَرِقَةُ

يُثْقِلُها العَوِيلُ!


هَكَذا هِيَ قَدَادِيسُكِ،

طَوِيلَةُ المَدَى

كَأَعْمَارِ الآلِهَةِ،

لا تَعرِفُ الفَناءَ!


أَزاهِيرُكِ المُدْمَاةُ

تَمْلأُ رُوحِي بِالدُّخانِ،

لا تَعرِفُ أُغْنِيَةَ المَاءِ أَبَدًا!


آهٍ مِن لَوْعَةِ القَمَرِ

بِرِدائِهِ المُـمَزَّقِ

وَوَجهِهِ المُحْرُوقِ!


آهٍ مِن بُكاءِ النَّهْرِ

عَلَى جُثَثِ الأَزْهَارِ

فِي لَيْلِ الدَّهْشَةِ!


آهٍ، يا سَيِّدَتِي،

عَلَى الخَرائِبِ النّاحِبَةِ،

عَلَى المَدارِسِ المُحْتَرِقَةِ،

عَلَى الفَجرِ الذَّلِيلِ،

عَلَى مَوَاوِيلِ البُكَاءِ،

عَلَى الشُّيُوخِ،

عَلَى الأَطْفالِ،

عَلَى المُعاقِينَ،

عَلَى الأُمَّهاتِ!


يا سَيِّدَتِي،

لَم يَحِنِ الوَقْتُ بَعدُ

لأَعُودَ لِأُمِّي

شَيْخًا كَبِيرًا!

أَجُرُّ خَلْفِي

سَنَوَاتٍ تَنُوءُ بِأَثْقالِ

الهَزَائِمِ المُتَعَاقِبَةِ!


أَسْأَلُ فَقَطْ...


حميد العادلي

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :