(( السَّلامُ المُخادِعُ ))
وَقَفْنا عَلَى أطْلالِ غَزَّ الدَّوامعِ
ألا فَابْكِها شِعْري بِكلِّ المَطالعِ
قَدِ انْدَرَسَتْ تِلْكَ الدِّيارُ فَلَمْ تَعُدْ
سِوَى ذِكْرَياتٍ أُتْخِمَتْ بِالمَفاجِعِ
قَتامٌ كَثيفٌ قد كَساها مِنَ الوَغَى
"أَنا راجعٌ" قَدْ رُقِّمَتْ بِالأَصابِعِ
عَلَيْهِ، وصَوْتٌ مِنْ بَعِيدٍ لَهُ صَدًى
نَحِيبُ الثَّكالَى مِنْ حَريقِ المَواجِعِ
ورُبَّ طُلُوعٍ قد أَجَلْتُ بِناظِري
عَلَيْها، وأَثْباجٍ أَجالَتْ بِسامِعي
ومَنْ لي بِأرماسٍ يُبَكِّينَ خافِقي
فَخَضَّلَ هُبَّى كُلِّ رَمْسٍ مَدامِعي!
وأَذكُرُ يَوْماً هَلْ يَعُودُ لِحاضِري
أَهِيمُ بِآرامٍ ذَواتِ البَراقِعِ
يُسِلْنَ بَريمَ العِشْقِ لِي وقَدِ اعْتَصَمْـ
ـنَ، يَرشِفْنَ عِشْقاً بِالكُؤُوسِ النَّواجِعِ
وأَلْفَيْتُ إحْداحُنَّ في خَيْمَةِ اللُّجُو
ءِ نائِحَةً آهاً نُواحَ السَّواجِعِ
فواسَيْتُها خَلْفَ الخِيامِ مُوارِياً
وسامَرْتُها تَحتَ النُّجومِ اللّوامعِ
دَعَوْنا لِعُمْرانِ الدِّيارِ بِأَهْلِها
فَكَمْ ذا خَلَتْ كَالمُوحِشاتِ البَلاقِعِ!
خَلَتْ مِنْ صِياحِ الدِّيكِ فِيها وسُوقِها
فلا غَيْرُ مَوْتًى، أَوْ نَقِيقِ الضَّفادعِ
ولَمْ يَبْقَ إلّا دِمْنةٌ أَثَراً، فكَمْ
حُروبٍ أَباءَتْ بِالخُطُوبِ القَوارعِ!
لَقَدْ كَسَّرُوا إلّا عَزائِمَنا الحَدِيـ
ـدَ لَمْ يَقْدِرُوا كانَتْ ضُلوعَ الأَقارعِ
رَمَوْا شَبَكاً لِلصَّيْدِ في كُلِّ مَوضِعٍ
وقَدْ وَضَعُوا مِنّا طُيورَ المَطامِعِ!
وإنِّي لَنَصَّاحٌ لَهُم أَنْ يُغَرِّرُوا
بِنا فَلَوَوْا -يا وَيْلَهُمْ- بِالأَخادِعِ
دَعَوْنِي إلى السَّلْمِ الضَّنِينةِ بِالقِرَى
وإنّي الضَّنِيكُ المُشَبَّعُ بالمَعامِعِ
وإِنِّي عَلَى الدَّرْبِ القَوِيمِ مُرابطٌ
ولا أَنْحَنِي لِلْجائِرينَ الضَّوالعِ
وهذا احْتِلالٌ جاثِماً بِصُدُورِنا
فَمَنْ يَتَعرَّضْ لِلْهُجُومِ يُدافعِ
وأَوَّلُ قَصْدٍ بِالشَّريعَةِ جَلْبُنا الْـ
ـمَنافِعَ، أَوْلَى مِنْهُ سَدُّ الذَّرائعِ
وما لي ولِلدُّنيا، ولَسْتُ بِخالدٍ
بِها غَيْرَ خُلْدٍ تَمْطَتِيهِ رَوائِعي
وها أنَذا فِيها كأنِّيَ ناسِكٌ
قَديمٌ، مُقيمٌ والمَلا بِالصَّوامعِ
وكُلُّ قَوافي الشِّعرِ عِنْدي ذَليلَةٌ
ورُوحُ المَعاني تَرْتَوِي مِنْ مَنابِعي
أُصَوِّتُ في أَعلَى الأثِيرِ مُصَرِّحاً
بِأَنّي عَدُوٌّ لِلسَّلامِ المُخادِعِ
وصَلِّ وسَلِّمْ يا إلٰهي علَى مُحَمَّـ
ـدٍ كُلَّ وقْتٍ مُطْرِباً لِلْمَسامِعِ
بقلمي:
مصطفى يوسف إسماعيل (الفرماوي)