الحب والجمال .
إبراهيم العمر
الحب يولِّد الجمال ،
وحيث يسري الحب يعمّ الجمال .
الحبُ والجمالُ توأمان في روح واحدة .
عندما يولد الواحد يولد الآخر .
الحب هو جوهر في حقيقة الحياة .
الحب هو سر الجمال .
الجمال ليس ما تراه العين .
الجمال هو ما تحسه الروح .
الجمال يسري في الشرايين ويسلب اللب ويستعمر القلب .
الجمال هو كل ما تراه بأحاسيسك ولا تتمالك نفسك أمامه ،
يجرجرك نحوه ،
يغسلك بحنان ورقة مثلما تغتسل حورية بماء مقدس ،
ويطّهرك من الهموم والأحزان مثلما يتطهر ثوب أبيض من الدنس ،
يهزهزك بقوة مثلما يهز الخريف شجرة ،
يهرهر عنك أوراقك الصفراء
ينفض عنك غبار العمر ،
يضيء الشموع في حنايا روحك المظلمة ،
يزيل رايات اليأس ولوحات السأم عن جدرانك ،
يملأ زهريات قلبك بالبنفسج والياسمين ،
وكل الزهور العطرية التي تسري في كل خلايا جسدك ،
يدق أجراس الحب في خفقان قلبك
ينفخ في روحك يعلن بداية ملحمة جديدة ،
ملحمة لم يخط التاريخ مثلها ولا الأساطير ،
يعلن التحدي والتمرد والعصيان ،
يعلن الثورة والغليان .
يضمك إليه ،
يمسح دموعك الساخنة عن خديك ،
يحملك إلى آفاق سحرية .
تسحب هذا الشال الأسود الذي تغطي به العالم،
لترمي الشمس والدفء والحياة على كل مركبّات الكون .
ترفع ستائرك القاتمة ،
تفتح درفات شبابيكك الصدئة ،
تروي شتلات الورد على البلكون ، تفتفت خبز مبلّل لعصافير الدوري ، تبتسم لكل الناس ،
تعتريك رغبة للتفرّج على ألبومان الصور العتيقة ،
المنسية في صندوق الخشب المرمي على التتخيته .
ألم يكن هذا أمسك ؟ !،
ألم يكن هذا ماضيك ؟! .
كيف لك أن تنسى ؟
كيف لك أن تطمر كل هذا الجمال ؟
كيف لك أن تطمس تلك الإمبراطورية ؟
كل تلك الكمية الكبيرة من الصور
كل هذا القدر الرائع من السحر ! ،
من الفرح والسعادة !.
كيف لك أن تتجاهل قدراتك العجيبة تلك على الحب والسعادة ،
كيف لك أن تنكر تلك الموهبة في فن المرح والابتسام .
كيف لك أن تطوي كل تلك الصفحات المجبولة بالحب والجمال ؟!
كيف لك أن تحجب الشمس عن شتلات الخزامى البنفسجية التي تزيّن حدائق أمسك ؟
عبيرها يحتضنك ، يحتويك ،
يغلف أحاسيسك ومشاعرك مهما رميتها في وديان النسيان السحيقة؛
فعطرها يبقى ،
لا يمكنك أن تتخلص منه وترميه ،
لا يمكنك أن تختبئ منه وتخفيه ،
هو يتعشق كل ذرة فيك !
هو يفوح منك ، يسبقك ، يعلن عنك أينما مشيت .
في الروح جمال ليس كجمال الجسد ،
وفي عشق الروح سكرات حالمة سحرية
تفوق قدرة البشر على التحمل والوعي والإدراك .
قليلة جدا تلك الأرواح التي تتذوق هذا النوع من العشق وتسكر تلك السكرة ،
وتغيب عن هذا الوعي ثم تصحي بعد سكرتها وتعود إلى عالم البشر .
قليلة هي تلك الأرواح التي تنحني فوق زهرة الفل فتنتعش ويضوع عطرها .
في الروح جمال يفوق كل جمال ويسمو على كل المعاني ،
وفي عشق الروح نقاء ، صفاء ، طهارة وقدسية ،
فيه لمسة ربانية ،
فيه عناق أبدي ،
فيه سرمدية ،
فيه حوار ملائكي ،
فيه تحرّر من هذا الجسد وكل ما يلملم من غرائز ونزوات .
في عناق الأجساد نشوة دقائق معدودة
نشوة عناق الأرواح مطلقة ، مستمرة ، دائمة ، أبدية ؛
وعوضا عن أن تدنّس الجسد ،
تزيده طهارة ونقاء وشفافية ،
تزيده تقرّبا من الربّ في السماوات ،
تزيده بركة وقداسة ،
تزيده إيمانا وقوة ،
تزيده براءة ،
تزيده أمانا ونورا ،
تزيده جمالا وخشوعا .
أنتِ الحب وأنتِ الجمال,
أتمنى أن تبقى روحكِ عامرة بالحب والجمال،
مع كل خفقة وكل اختلاجة
يولد لديكِ إحساس
وتولد رعشة
ويولد توق,
يولد شوق,
يولد لديكِ نسخة مني أنا ...
نسخة لكِ وحدكِ من بين كل البشر..
نسخة تحبكِ أكثر من النسخة التي ولدت منذ لحظة ..
لحظة تعشقكِ أكثر من كل اللحظات ..
نسخة لكِ تتمنى أن تخبِّئيها في صدركِ,
بين اختلاجات ضلوعك ولهثات روحك ...
نسخة تضعيها تحت وسادتك
وتسمعي همساتها التي تساير توقكِ ورغباتك ..
وتذوب من حنين أشواقك ...
حين لا يبقى لك من الحنين سوى أوهامي وهلوساتي ..
إبراهيم العمر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق