تتسلل نسمات شهر رمضان المبارك بكل هدوء وسكينة، معلنة عن وقت الرحمة والغفران، ها هو ذا شهر القلوب الطيبة والأرواح المُتعطشة للسمو والرفعة. شهر يعود كل عام ليُذكرنا بالمعاني السامية للوجود، شهر يدعونا لنعمر الليل والنهار بالصلوات والدعوات.
في رحاب هذا الشهر الفضيل، تتغير رونق الأيام وتتبدل، الصوم صبر وترقُّب، والقيام سُلم نرتقي به نحو السماء. تعتكف النفوس على التأمل والتفكر، وتتبارى القلوب في الخير والتعاطف، وتتجلى روح التقوى في أشد صورها نقاءً وعطاءً.
يتداخل السحور بالإمساك، ويحل الإفطار بطعم الإنجاز. فمائدة رمضان لا تُقارن، تجمع الأسر وتصل الأرحام، يُختم عليها بتلاوة آية أو دعوة صادقة تهزّ الكيان. اللقاء في رمضان ليس كأي لقاء، يحوي في طياته نكهة الصفاء والمحبة التي ليس لها مثيل.
وما أروع ليالي رمضان الحوارية، حينما يكتمل القمر وتزهو النجوم، ويستمع الكون بصمت لصوت المؤذن يعلن رحيل يوم ومقدم آخر. تلك الليالي التي تُسجى فيها الصلوات بخشوع، وترفع الأيادي بتضرع، طالبة رحمة الخالق وعفوه ومغفرته.
في رحابك يا رمضان، تُفتَّح أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النيران، وتُصفد الشياطين. تنشرح الصدور وتخشع لذكر الرحمن، وتتواصل القلوب بطاعة الرحمن. وهنا تُصبح العبادة لذة لا يعرفها إلا من ذاق حلاوتها في صفاء نية ونقاء قلب.
يأتي العيد بعد عبادات شهر كامل، مثل البدر يُنهي دورته بعد أن يكتمل، فيكملنا رمضان برؤية الهلال وتجديد الأمل، ونحن نودعك، نحلم بلقائك مجددًا على خير وعافية.
ختامًا، يظل رمضان في الذاكرة، كذلكرى عطرة، نتنفس منها في باقي الأيام عبير الجود والإيمان، ونحتفظ بلياليه كنجوم تضيء دروبنا نحو الأمل والعمل في غَدٍ أفضل.
دكتور مفلح شحادة شحادة كاتب وشاعر المانيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق