السبت، 4 مايو 2024

إبن حنيفة للشاعر مصطفى محمد كبار

 قصيدة أبن حنيفة 


ما بعد الخمسين 

بداية الخرف

هو .....؟

كسحابة القيامة بوقت

الضجر 

إنه قريبٌ جداً  مني

لكنه بعيد 

أنا أبن الريح الجارح

خلف الذكرى 

و رايتي هي راية  التشرد

بوطن المنفى

و الحزن أبجديتي الأبدية 

و أنا  أبي و أبو  أبي هو 

أبي

و أبن أبي من أبي و أبني  هو  

أبي 

فأنا و أبي من ذكر أبي

أبناء السراب في البرودة و الرطوبة

الوحيدون بدون سند

فنبكي لله 

و نسجد بالصلاة على محمد 

النبي 

بالقدوم الملائكة للأرواح 

المتعبة

أنا و أبي كنا بذاك الزمان الرحيم

البريء

كتوأمان روحان نائمان البريئان 

تائهان بصدى الحجري 

الغائبان كنت أنا و هو الغائبان

كنا نقوم من جحيمٍ  لنقع  إلى جحيمٍ 

آخر فأدهشنا الإنكسار

فنحن من وجع الغياب و بهميم  

الأماكن الشاحبة 

جسدان يحضنان الظلام في 

المر  من الإنكسار

فالمكان هو المكان 

رجلٌ مع ولدهِ المقتول

بالحجر من سئمَ الحراسة في القبر 

ها هنا يرقدان

و أبي أبي هو بكرّ الضباب

الخفيف 

و أمي هي غيمة السفر الأخير

بذكرى المنكسرين 

فآهٍ يا أمي ماذا فعل الزمان المر

بولدك الصغير 

ماذا  بقي   من ولدك الصغير 

قد  تهت في المدى البعيد البعيد  

بلا عناوبن بلا  صحبة

فأنا الساحر الموجوع بأوتار 

الحنين 

و أنا  الراقص الأنيق المذبوح

أرقص مع اليمامة البيضاء التي 

تعزف بقيثارة النغمات

لحن وجعي

فعلى أطراف الوحي لي 

كل الكلمات و وجع الغياب 

الطويل 

و كل ألمٍ في بعد المسافات 

للراحل الكافر  

فأحتضن الصباح بكل يوم 

فأقتله

كلما حضنته أكثر   شدني 

للظلام الأبدي 

و عندما يأتي المساء كئيباً  

أبكي بصمت بصمتي

أبكي

فأدفن كل ذكرياتي بمراكبي

و أتحضر للطوفان

فمن يأخذني للوراء من حلمي 

القديم

سيكون سيد القطب في القصيدة 

وحده

وحده سيحمل مثلي الذنب 

الكبير 

و من نسي لفظ  أسمي و لا

يتذكرني 

فهو   من يكسرني في الغياب 

و ينسى تاريخ وفاتي

فيا أيها الحجر الرحيم الشاهد

على المأساة

قل  ........

للراحلين ما يوجعنا و ما يكسرنا

بغيابه

و اكتب رأيكَ بصراحة كما ينبغي

و كما يجب أن يكون

يجب ما يجب معرفته حول 

هزيمتنا

امسح ذنوبِكَ بالدموع من بحر 

العيون

أنثر بكامل حروفك كما يليق

بخيبتنا

كن كبيراً يا أيها الحجر

لتشهد على موتنا الطويل الطويل

و على الزمان السعيد 

لا 

لم أكن سعيداً يوما و لا بكامل

العمر 

فإنثر غبار اليأس من حولك

و حرر صمتك من الثبات

إنهض لترى الضحايا القدامى

كيف يشعرون 

كيف يتعذبون

و كيف كانوا يحلمون و بماذا 

كانوا يحلمون 

كيف يرتجون من رعشة الموت

البريء 

و كيف يموتون منهزيمين بقصة

الشلل النهائي

فهل نخبر السماء يا حجري

بإننا مازلنا هنا و لسنا هنا و

لسنا هناك

هل نقول لهذا العمر كفى 

توقف 

هنا محطتك الأخيرة فإنزل

من قافية الحياة 

فلا تمضي بحلمك الخاسر 

لوحدك للعدم 

هل نترك الأشياء كما 

هي

لتمضي لوحدها نحو المجهول

القاتل

لقد نسينا شكل الأشياء 

و كل الألوان 

و تهنا كالغرباء على دروب

رحلتنا البعيدة 

فلم يعد فينا ما يتسع بذاكرتنا 

لنموت أكثر

السراب تقول في الرواية

أنني  هو 

و الشبه بيني و بين الأحياء 

مختلفٌ و بعيد 

فالزمان قد أحرق بداخلنا 

ما يعيدنا لهناك

فأين هناك و أين أنا  و  هناك

و أين حكاياتنا الصغرى

تلاشت الأيام و السنين من

أمامنا غريبة

لقد تاهت الحروف في أزقة 

ذاكرتي

و تجمدت كل خلايا جسدي 

أمام باب السخافة 

نسيت كيف سأكتب وجع

القصيدة 

فلا دروب لمركبات الريح 

في جسدي 

و لا من استراحاةٍ لنا في لعبة

الهلاك القديم 

فكل الأيام و السنين تكالبت 

علينا مثل الأخرين

فأحرقتنا رماداً و تزمراً بالإقامة 

في الجحيم الأليم

مشيتُ حافياً خلفَ الحلمِ بالردى متباعدا

و ظني  في الرحيلِ  أجدُ  ما مني  تبعدا

أوهمتُ  نفسي  بأنَ هناكَ  فجرٌ  و سيطلُ

شموسٍ تشعُ  بنورها  كلما   الصبحُ  غردا

رحتُ  أشقُ  بمهالكِ العمرِ  كاليتيمِ  أنازعُ

بفقرِ اليدينِ و القهرُ الكريبُ  بقتلي تعمدا

فأسقطني  ألفُ بابٍ بلعنةُ الزمانِ و أجهدَ

كما ذهبتْ  عدتُ  للخيبةِ  بالجرحِ  مقلدا

فيا أيها الحجر هل لازلت تنتظر

المزيد من الفاجعة

كي تدرك أنها القيامة 

الكافرة

و سقوط الآلهة من العبث

الشديد 

يا حجري الساكن في قبلتي

نريد أن نصحو مثل الأخرين 

معافين من الخيبة

فالأحلام ضيقةٌ علينا ها

هنا 

فلا تجس و لا تمس مثل

الريح

و المنام الذي يشهق بالراحة

ليس من حصتنا

فنحن العائدين من صمت

النجاة 

مجاهدين لنحيا و لو قليلاً 

و حائرين و خاسرين كل 

شيء

متى ستدرك بأننا مازلنا نقاوم 

جدار الموت 

فخذني يا أيها الحجر  للبعيد 

البعيد 

لا  أريد أن أموت بصفة لاجئٍ

غريب

فالحياة  ترفضني و السماء ترفضني 

و لغة القصيدة تجهدني

فخذني على عجلٍ لآخري 

المتوفي 

إلى مكانٍ  تشبهني كي أنجو من

الإحباط الثقيل

فأنا أريد حصتي من الحياة 

كاملةً لا أكثر أو أقل

أريد زمن المعجزات و حرية 

المنام 

أريد أن أنام و لو لنصف ساعة

فقط كما كل الحالمين 

فمنذ أن نطقت بأولى الأغنيات

و تنهدت بالبكاء 

عرفت من هو المتوفي الغريب

و ما شكل الحكايات 

كيف ستتحمل تلك الذاكرة 

ما أثقله

ربما أهزي قرفاً و جنوناً بفكرة

كاتبٍ مبتدأ

أو سأستعين بلغة الإنشاد في

الوحي و أكتب عبارات 

أوجاعي

فالخرف قد بدأ  يداهم جدران

الدماغ و راح يأكله

و الصداع راح يضرب بوجعه

حتى الإنفحار

 كأني و كأني سمعت شحيح

ما نسيته

فكيف سأرضى بالإقامة عند 

أبواب القيامة 

و نحن منهزيمين بإنشغال الفكر

بالصدفة المسيئة

ربما أحتاج إلى ألف عمر  كي 

أصل إلى  معجزة 

فجسدي تلفٌ و روحي 

تنازع بالبكاء 

فأرقص مع الضوء بظل الليل

كالمجنون 

فربما أجد طريقة النجاة

في واحة الخيال

فأغير من الواقع شيئاً ما 

يعيدني كما كنت

أريد من القصيدة أن تحمل معي 

نصف وجعي

و أن تفرق بين كلماتها المغلوطة

في النسبة المئوية 

أريد أن أنجو معها من السقوط

الساقط

فلا يكفي أن تلبس قصيدتي

ثوب الطهارة

لتبدو و كأنها بخير و تدون أسمي 

بآخرها

بقلم الشاعر الكبير مصطفى 

محمد كبار 

فلا يكفي أن أكون شاعراً

مثل الأخرين

كي أكتب عبارات الحزن من فكرة 

الوحي و أبكي

فكلما دونت لغة هزيمتي بالقصيدة

شلت يدي

انكسرت مضرجاً باليأس 

الشاحب

و قلت كلاماً يشبه كلام الفلاسفة

المحبطين

فربما سأصبح يوماً فيلسوفاً 

و أجيد كل اللغات 

بسيرة الحكايا برغبة التأهل للمعنى

للغد البعيد 

و ربما أسرق من الوقت فسحة

صغيرة و أسير للماضي

العتيق

لأشكل كل الكلمات و أجس 

نبضها بالوجع الكبير 

تلك هي رغبتي القديمة

فساعدني يا أيها الحجر الساكن

في التحجر

كي أعبر حدود الهزيمة لأصل 

للنجاة 

لا تنتظر مني أن أحيا لوحدي 

في الألم

و إني مازالت أعوم بنفس

الأوجاع 

فأشدُ على أسوارِ الدهرِ بضجرُ البالِ

و الثقلُ  كالجبالِ  تهدُ  بحالُ  الحالِ

و كافُ الراحِ  بأرقُ العمرِ  بألفُ جيمٍ

بطرفِ  الثرى  رهبٌ  يغدو  بسجالي

دمعٌ  منذُ البعيدِ  أراهُ  لا  يخاصمني

كأنهُ  يحيا نهمٌ  كلما زادني  بالأثقالِ

نصفُ الروحِ  شللٌ والثاني جراحاتٍ

تئنُ  محتضرة  بخسرها  في الرحالِ

أأشكو  الدهرَ  و كفرهُ  يشرعُ  بالعمرِ

حرامٌ  راحَ  يدنو  موحشا  بالأحوالِ

فهذا  ألمي  و هذه  الجروحُ   تهلكني

سرابٌ  يقاضي و كفرٌ  بكهلِ  السؤالِ

أهكذا  هي 

هل هذا يكفي  

فأنا لا أملك مثل الأخرين 

جناحين كبيرين

كي أطير و حلق  للأحلام البعيدة

و أغفو براحتي

فما بعد الخمسين لا يشبه

الحياة 

أريد أن أجد الطريق للرجوع

إلى الوراء

أريد ذكرياتي و طفولتي و شغب

السنوات البريئة 

ساعدني يا أيها السجين في أرق

اليأس 

بدائرة الرغبة و الخلاص من 

جسدي

إجعل قسوتك مطراً  كي ينبت من 

جسدك زهرة الياسمين 

أريد بعضً من الرخاء 

كي لا أكبر بوجع القصيدة المحطمة 

المكسورة القوافي

فالكبر هو صدمة ما قبل الرحيل 

مع الوجع الكبير 

و الكبر  يشيد بالإنتهاء الوقت و يكسر 

قلب المرء 

و يهد بالروح  الأخير 

ساعدني لكي أنسى وجعي 

القاتل

و هذا الخطأ الكبير بالعمر

الساقط المقتول

انهض يا أيها الحر  المتين

و ساعدني  

أو  لا  تقرأ  من قافيتي 

حرفاً واحداً 

كي لا تموت مثلي محبطاً 

مع القصيدة بالفشل

الذريع

فالخرف سيمة العباقرة في

الكتابة 

فأنا العبقري الأعزل من أدوات

التكوين 

و لا أملك بالحياة سوى صور

الخيبة 

نحيا  لكننا  لا  نحيا

نكون  فلا  نكون

لا نكون ثم  هناك نكون منكسرين

بألف هزيمةٍ و حكاية 

فهذه هي الحقيقة الوحيدة التي 

لم تظهر للعلن

فنحن أبناء السواد الأعظم 

نحن لاجئون في النسيان 

إنها المكيدة السماوية القديمة 

فينا تكسرنا بالهلاك

فنمضي مع العمر خاسرين 

كل شيء 

و نحن غبار الحالمون

بتلك السنين التي قتلتنا بالخيبة 

و النسيان من قسمتنا

منذ البعيد البعيد 

إنها البداية بالخرف المبكر

أن نكون كما يجب أن لا

نكون

بالإقامة عند أبواب القيامة 

في العدم

فنحن لا نبشر بالخير بالنبوءة

الصحيحة

إنها كلالة الروح الدامية في

الهلاك

فتهد فينا من المقلاع إلى

المقلاع

و لا نعلم 

كيف سيكون شكل النهاية في 

آخر الهزيمة 

تفصلنا عن النجاة المفقود 

و الموت

دقيقة واحدة للسقوط الأليم

الأبدي 

فكل شيء زائل للهاوية ها

هنا

حتى هذه القصيدة المغلوطة 

بالترتيب 

كل شيء  .........  إلا  

تلك الروح المقدس التي 

تنازع من أجل 

البقاء

في النفق ......... الأخير

 


مصطفى محمد كبار 

أبن حنيفة 

حلب سوريا ٢٠٢٤/٤/٣٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق