الخميس، 13 يونيو 2024

صفيح ساخن للشاعر الحسين صبري

 صفيح ساخن


اتصل بي صديق يقطن بلاد الفرنجة، حيث شقَّ ذات يوم مع زوجته وأطفاله عُبابَ البحر بِقارب هِجْرة، وبعد سنوات تحصل على أوراق ثبوتية، له ما له وعليه ما عليه مثل أي مواطن وِلدَ هناك، وله كامل الصلاحية في التعبير عن رأيه وبِكل مصداقية، ولربما سيقدم شيئًا من إبداعاته فهو مُتحصل على الدكتوراة في مجال الطاقات المُتجددة وبِالتحديد الطاقة الشمسية، وزوجته الذكية دكتورة أيضًا ومتخصصة في قسم الأشعة التشخيصية والعلاجية، وإبنه الأكبر يدرس في الثانوية أما الأصغر ولأنه موهوب جدًا اختارته الأكاديمية، الأكاديمية الفرنسية لكرة القدم وبذلك وضع حجر أساس لمستقبله الرياضي

كان إتصال صديقي من أجل الإطمئنان فقال وبِالحرف الواحد ما هي الأوضاع عندكم؟


يا رجل، يا صديقي العزيز لا تعد إلى هنا، هنا جربنا كل الأوضاع وعشناها كما يقول الكتاب، واخر وضع نعيشه ولا زلنا فيه هو وضع الإنْبِطاح، نعم باقية لدينا أحلام وأماني وثُلّة من الطموحات وبعضٌ من الأهداف وبقايا الصبر، نحلم بغدٍ يكون فيه المصْرِفُ مفتوح والسيولة موجودة وبِكثرة وأن لا يتعدى الطابور كيلو متر واحد، والأُمنية بسيطة جدًا أن لا يرتفع سعر الصرف وتكون الأسعار دافئة ولو قليلاً،  فعيد الأضحى على عتبات أبوابنا، وأن لا يحدث شِجار أو حربًا فأنت تعلم جيدًا أننا على مدى أعوام مضت نعيش في هذا الشهر وكل البلاد على صَفِيح ساخن

أما عن الطموح لا أعرف ماذا سأقول لك، لم تعد هناك رغبة في شيء لربما باتت الرغبة تحت أنقاض أفكارنا المُتهالكة حتى أن تلك الحوافز التى كنا نمتلكها تاهت وضاعت مع وضعنا المُنْبطِح لربما بعد وضع الإنبِطاح نزحف زحفًا بحثًا عن حافز واحِد لإمتلاك أو لبلوغ شيئًا من القوة

وآهٍ عن الهدف، آهٍ موجعة يا صديقي لقد رُكن في حجرة التخزين مثله مثل أدوات وأواني أمي المنزلية بل يشبهها تمامًا 


هل تذكر يا صديقي وبِالتأكيد أنت تذكر مدرستنا الإعدادية وتذكر أيضًا فصلنا فصل ثانية أول، بِالأمس صارت جُدرانه الإسمنتية كالغِرْبال نتيجة الرصاص وقدح زِّنَاد السِلاح، لا توجد إصابات وسرعان ما خمدت نيران الحرب إلا أن فتيلها لم يُنزع بعد وما زال يخرج دخانًا فادعوا الله معي أن لا يُنفخ فيه حتى لا يشتعل مجددًا والحقيقة بأن النار وإن إنطفأت أو أخمدت هنا ستشتعل مع فتيل آخر في مكان آخر 


لا تقلق يا صديقي أنا ما زلتُ على قيد الحياة، على حافة الحياة ولطالما ما زلتُ أكتب فأنا حَيّ، وإن أتت السيولة وتحصلت على المال الوفير سأقدم أوراقي للحصول على جواز سفر ومن تم التأشيرة وأتي إليك إن شاء الله في أوّل فُرصة تُتاح، ولا أريد أن أتي إليك كما فعلت أنت عن طريق قارب من المطاط، والحقيقة أنا أخاف أن أغرق مرتين فيكفي أني غارق على اليابسة في وحل بلادي

لك مني أعطر التحايا وأزكاها وأرجوك لا تبعث لي صورك من ذاك الكوكب حتى لا تتعذب نفسي أكثر وتزداد ألمًا وحسرة، فدموعي سهلة النزول ولربما يُصاب قلبي أو عقلي بِجلطة وأموت قبل أن أصل إليك......

🖊الحسين صبري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق