الرقيب الموهوب.
كدت أصبح كاتبا بعد قراءات كثيرة لما أنتجه آخرون، لولا تدخل هذا الناطور الذي أصبح يلازمني في كل جلسة صفاء اختلستها للكتابة. يطاردني كلما عانقت أصابعي قلما وتهيأ دماغي لإنجاب فكرة عن تلك اللحظة التي أرتحت فيها و تهيأت لأفشي حقيقة من حقائق ما يدور حولي. يا للأيام المجحفة التي أمدتني بهذا اللاصق الجائر الذي لا معقب لحكمه. لم أعد أستطيع معه كتابة كلمة، مما يدور بخلدي إلا قوضني بكلمة أخرى هو من يبدعها.. كلما هممت بفض بكارة ورقة نقية بيضاء، تدخل بعنف ليمنع قلمي من قدف مداده فوقها، لكي لا تولد تلك الكلمات التي تنسج من الأفكار المتمردة ما يزعج الكثيرين ممن يختبئون وراء تعتيم يغلف حقيقة أنتجها واقع من صنع هؤلاء الأوغاد.
أكتب ويؤول.. أحاور و يجادل.. أناقش و يرفض..
كنت في بعض الأحيان أتجاهله حتى أنهي ما بخاطري، لكن لما أعيد قراءة ما كتبت، يباغتني بآراءه و بقواعد مجتمعه، فيكسر معنى الكلمات المكتوبة ويلهمني من المرادفات ما يوافق قواعد صانعي هذا المجتمع المزور.. بنظرة جوالة عميقة، كان يحدق في الحروف، فيقبح الكلمات و ينتقص من أفكاري المتمردة فيحثني لزاما على تبديلها بأفكار يقبلها مجتمعه ولا يرفضها مسؤولوه.
يؤول كل جملة ويهمس في أذني أن هذا الذي كتبته، قد يكون وبالا علي وقد يقودني إلى مسكن من قضبان.. تصويباته وملاحظاته، تدفعني مرارا لأمزق الورقة وآخذ أخرى لإعادة كتابة الموضوع.. كتبت ومزقت وأعدت كتابة موضوعات إلى أن قررت إتقاء شر الكتابة...
يا لك من مجحف أيها القارئ الضنمي، أيها الضمير الخائف، مالك تبني قضبان سجنك من آراء الآخرين وتمنع الأقلام الجريئة من الخوض في توضيح ما أخفي عن العيون من عيوب لحقيقة مرة يعيشها الكثيرون...
أحمد علي صدقي/المغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق