الأحد، 7 يوليو 2024

خاطرة عن الهجرة للأديب الدكتور مفلح شحادة شحادة

 في مشهد أسطوري من تاريخ الإسلام، تنطلق رحلةٌ مليئة بالتحديات والتضحيات، رحلة الهجرة النبوية الشريفة. إنها رحلة قدسيّة شكلت منعطفًا هامًا في تاريخ الإسلام وقد حملت في طياتها العديد من الدروس والتعاليم النبيلة.


في زمنٍ مضت، وفي أرضٍ بعيدة، اضطر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام إلى الرحيل عن مكة المكرمة، بلاد الطفولة والشباب، والانتقال إلى المدينة المنورة، وذلك بسبب المضايقات والمؤامرات التي تعرضوا لها من قبل قريش. كانت تلك بداية الهجرة النبوية الشريفة، التي ارتبطت بالعزة والتضحية والتوكل على الله.


بدأت الرحلة في ليلةٍ مظلمة، عندما وجه النبي محمد صلى الله عليه وسلم دليله الأمين، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ليستسلم لظروف العمرة الأرضية، وينطلق في الليل المظلم إلى المدينة المنورة. وعلى طول المسافة الطويلة، بين الصحراء القاحلة والجبال الشاهقة، ترافقتهم التحديات والمخاطر، ولكن الإيمان الثابت والرغبة الصادقة في إرساء دار للسلام والعدل جعلتهم يتحدون كل الصعاب.


في لحظات الصمت العميق، يعطي نبض الإيمان صوتًا يغرق في الأرواح، فالأصفى والأجل تتجمع في مشهد الهجرة النبوية الشريفة. هناك يتراقص السكون في تلك اللحظات الرائعة، تتجسد أبجديات الإيمان وتتفتح أزهار الثقة بالله، وتتكون بصماتٌ في قلوبنا تحمل بحرية الروح.


وعلى طول طريق الهجرة، يتبدل المشهد من الخطوبة الصعبة إلى البهاء العظيم، حيث يدعونا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاعتزاز بوطن الروح والقلب، وفتح الباب لانتقالنا من حالة الضيق إلى حالة السعادة والسلام. ومع بزوغ فجر المدينة المنورة، تتعانق القلوب وتتلاقى الأرواح في مشهد أبهج من ربيع الروح.


وهنا يتكوَّن التلاحم والإخاء بين المهاجرين والأنصار الذي استقبلوا الهاربين بكل حب وترحيب. تبزغ أمّةٌ جديدة تحمل في جذورها روح الإيمان وأخلاق الأنبياء، تسعى لبناء حضارةٍ قائمة على العدل والتعاون والمحبة. الهجرة النبوية الشريفة تعلَّمنا الوحدة في الصعاب والتقدم بالعمل والتمسك بالأخلاق النبيلة.


وفي يومنا هذا، يدعونا تذكر الهجرة النبوية الشريفة إلى تجديد العهد والثبات على القيم الإسلامية. فلنحتفل بالعطاء والتضحية التي تمثلت في الهجرة، ولنسلك طريق الاعتزاز بتاريخنا وأصولنا، ولنجسد رسالة السلام والإيمان التي تجسدها هذه الرحلة العظيمة.


في زمن التحديات والتحولات، دعونا نتعلَّم الشجاعة وروح الاستقامة من الهجرة النبوية الشريفة. ولنتجاوز العقبات ونصنع التغيير بالحكمة والصبر، متمسِّكين بمبادئنا ومعتقدينا. إنها رسالة الهجرة، تتجاوز الزمان والمكان، تحمل في طياتها قوة التجديد والإصرار الثابت.


وفي الختام  نستذكر الهجرة النبوية الشريفة كل عام، لكي ننبش في أعماقها ونستلهم العزيمة والتفاني. فلنمنح هذه الرحلة تحية إكبار وتقدير، ولنحتفل بتاريخنا الإسلامي العظيم الذي علّمنا دروسًا جليلة في العزة والعطاء وروح الفداء. فلنكن قدوة حية لروح الهجرة النبوية الشريفة في حياتنا، ولنعيش بقلوبٍ خاشعة وأرواحٍ محبة وأعمالٍ صالحة.


دكتور مفلح شحادة شحادة كاتب وشاعر المانيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق