غواية المقاعد الخلفية 2
"كلُّ هذا ... لتجلس؟"
وفي الزاويةِ البعيدةِ
كان القرارُ يشتعلُ خلفَ هدوءِ عينيها
بخطواتٍ لا تُشبِهُ التردُّد،
كأنّها تستشيرُ ظلَّها
أو تُوازِنُ بينَ نَبضَين
كانَ المقعدُ شاغرًا
ولكنّه ... لم يكنْ فارغًا منّي
حينَ كانَ الطريقُ يترنّحُ
كأنّه يُهَيِّئُ الخُطوةَ لِزَلّةٍ مقصودة
خطوتُها الأولى؟
رَجفةُ قنديلٍ في ممرِّ العَتَمة
خطوتُها الثانية؟
خَجلُ زهرةٍ تمشي على رؤوسِ الغيم
وثالثةٌ؟
أربَكَتْ إيقاعَ المقاعدِ
رأيتُها تقتربُ ... لا،
بل كانتِ الحافلةُ تميلُ عَمدًا
تُفسِحُ لها طريقًا كي تَصِل
وحينَ بلغَتْني ... فَقدتُ التوازنَ
أو هكذا أرادتْ أن أُصدِّق
مالَتِ الحافلةُ، فمالَ كعبُها،
لِتُجيدَ السقوطَ بعُذرٍ شهيّ
تكوَّرتْ على كَتِفي
كأنّها تَفِرُّ من زَحمةِ ريحٍ
وعُذرُها؟ ...
ضَحكةٌ ناعمةٌ قالتْ كلَّ شيءٍ ولم تقُلْ شيئًا
إستقامتْ لحظةً ...
نفضَتْ عن كَتِفي زَيفَ الارتباكِ
وبنصفِ بُحّةِ ضحكةٍ قالت:
"عذرًا، يَبدو أنَّ الطريقَ أرادَني أن أستريحَ هنا قليلًا"
عندَ "هُنا" توقّفَ كلُّ شيءٍ في صَدري إلّا قلبي
كانَ يُصفِّقُ كطفلٍ رأى قطعةَ حلوى للمرّةِ الأولى
نظرتُ إلى الصفحةِ التي بينَ يدي
فوجَدتُها سُطورًا خجولةً
تتوارى من دِفءِ أنفاسِها القريبة
لا أعرفُ لماذا راودَتْني لحظةُ ذكرياتٍ
هُرّةُ المنزلِ حينَ كانتْ تَدُسُّ أنفاسَها تحتَ غِطائي ليلةَ شتاء
كنتُ كمنْ يَجلِسُ في حضرةِ وترٍ
إنفلتَ من عُودهِ
تَهاوى على إيقاعِ الدّندنةِ بانكسارٍ عَذب
وحينَ إعتذرتْ
لم يكنْ في صوتِها أيُّ ندمٍ
بل موسيقى
كُتِبَتْ خصّيصًا لأرتبكَ
ولأوّلِ مرةٍ
شعرتُ أنَّ المقعدَ لم يعُدْ "خلفي"
بل أنا... بشيءٍ يُشبِهُ البداية
يُشبهُ قصيدةً
إبتدأتْ بتعثُّر
وإنتهتْ... بكاملِ السقوطِ
( محمد الحسيني )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق