معاصِمٌ مُكَبَّلَةٌ
✍️ سيدُ حميدٍ عطاالله الجزائري
ماذا جَنَيْتَ اليومَ من صَفْراءِ
إلا القَذى في عَيْنِكَ الرمداءِ
ما زِلْتَ تَمْشي في انْكِسارِ عَزيمَةٍ
وَتَلُوذُ في وَهْمٍ كَثيرِ الدّاءِ
أَوَما سَقَيْتَ من الإرادَةِ مَطْمَحًا
ماذا غَرَسْتَ بأَرْضِكَ السَّبْخاءِ
كَمْ قُلْتَ: ها قَدْ أَشْرَقَتْ لي غايَةٌ
لَكِنَّها انْطَفَأَتْ على أَعْضائي
وَالعُمْرُ مَرَّتْ في يَدَيْهِ عَواصِفٌ
تُنْسِي المَدى وَتُقيمُ في البَيْداءِ
مِنْ زَخْرَفٍ هذا الكَثيرُ أَخَذْتَهُ
فَلَقَدْ خَلَطْتَ جَواهِرًا بِطِلاءِ
أَنْتَ الكَثيرُ مِنَ الأُمورِ تَجَمَّعَتْ
بَشَرًا هُنا بِتَجَمُّعِ الأَشْلاءِ
أَخَذت يَدَيْكَ وَكَبَّلَتْ مَعْصِيْهِما
وَتَرَكْتَ حَقَّكَ فَوْقَ سَفْكِ دِماءِ
ساهي الفُؤادِ مِنَ التَّناسِي اسْمُهُ
ما زالَ يَرْزَحُ تَحْتَ وَطْءِ سِهاءِ
لا تَسْتَمِرُّ كَواكِبٌ وَمَجَرَّةٌ
فالأرْضُ في لَفٍّ وَفي اطِّوَاءِ
كَمْ ضِحْكَةٍ سَقَطَتْ ثَنَاياها مَعًا
وَمَلامِحٍ بَقِيَتْ لأَجْلِ بُكاءِ
لَمْ تُبْصِري يا نَفْسُ مَحْضَ حَقيقَةٍ
هَذا التَّخَبُّطُ لِلرُّؤى العَمْياءِ
لا تَكْتُمِي سِرًّا وَتُخْفِي ماضيًا
سَيَشيبُ حاضِرُكِ مِنَ الإفْشاءِ
ما زالَ في الأعْماقِ ضَوْءٌ خافِتٌ
حَتّى تَيَقَّظَ في دُجىً خَفّاءِ
يا نَفْسُ كَمْ هذا الجنوح إلى هوًى
حَتّى غَدَتْ وَهْمًا مِنَ الأَهْواءِ
حُلْمٌ يُلاحِقُ ظِلَّهُ مُتَعَثِّرًا
وَيَكادُ يَنْهارُ انْحِناءُ ضِياءِ
كَمْ مَرَّةٍ ضاعَتْ مسالككِ هنا
تَحْنينَ نَحْوَ السَّرْبِ في الإِعْياءِ
وَالرُّوحُ تُصْغي لِلصَّدى وَكَأَنَّهُ
صَمْتُ الوُجودِ يُجيبُ بِالانْحاءِ
قَدْ كانَ فيكِ النُّورُ لَكِنْ أُطْفأَتْ
عَيْنُ الخِداعِ بريقها الوَضّاءِ
أُنْظُرْ إلى المِرْآةِ، هَلّا أَبْصَرْت
هَجرَ الحَقيقَةِ في غُبارِ رَجاءِ
لا شَيْءَ يُنْقِذُ مِنْكَ غَيْرُ تَبَتُّلٍ
يَمْحُو المَلامِحَ في ضِياءِ نَقَاءِ
هَذا المَدى المَرْسومُ مِنْكَ سَحَابَةٌ
تُخْفِي سُقوطَكَ في مَدارِ فَنَاءِ
فاعْبُرْ بِغَيْرِ السِّتْرِ، إنَّكَ إنْ تَغِبْ
عادَتْ خُطاكَ إلى مَدَى الإِمحاءِ
سَيُعيدُ مَلْبَسُكَ القَديمُ نِهايَةً
كَفَنًا عَلَيْكَ كَعارِضِ الأَزْياءِ
لَكِنَّما التَّصْفيقُ ذلكَ مُمكِنٌ
أَبْداهُ جُمْهورٌ هُنا بِعَزاءِ
لَكِنَّكَ المَغْلوبُ مَوْجُكَ لَمْ يَزَلْ
يَعْلو الخُطى بِتَهَيُّجِ الدَّأْماءِ
وإذا انحللتَ من المعاصمِ غِلْيَةً
أزهى الظلامُ بِسِرِّهِ الخَفْياءِ
يا روحُ عودي للمَدى فتطهّري
ودعي الضياءَ طهورةً كالماءِ
مَنْ كانَ يَعرفُ ما القيودُ وأصرُها
فالموتُ بابُ البَدءِ لا الإنهاءِ