الخميس، 13 نوفمبر 2025

Hiamemaloha

الطبيب والحياة الجزء السابع عشر للكاتب رمضان عبد الباري عبد الكريم

 الطيب و الحياة 

الجزء السابع عشر

*******************

     

   بعد أن إنصرف كل من أبوشامة وحسين العتره و دوده موس وتركو زكى فى غرفته الجديده وحيدا ، جلس زكى على حافة السرير شعر بأنه يوجد شيء فى جيبه ،وعندها تذكر الظرف الذى تركته له ماجى ولكنه لم يفتحه ، ففتح زكى الظرف وجده مملوء بورقات نقديه فئة مئتان جنيها ، أخذ زكى يعد النقود فوجدها خمسة آلاف جنيها،  وضع زكى النقود على السرير  ثم نظر إلى السماء ، وقال بماذا تفيد النقود بعد ما ذهب كل من  أمى وأخي ، أخذ يبكى بشده كلما تذكر أمه وأخوه. 


  وعاد بالزمن إلى الوراء ليبحث عن السبب الذى جعلهم في هذه الحاله الاجتماعيه الفقيره ، فوجد أن دخول أباه مظلوما إلى السجن فى سرقة مبلغ كبير و الذي كان  في عهدته من الخزينه ولكن لم يستطع أن يثبت للمحمكه ذلك ، و حكمت عليه المحكمه خمسة  عشرة سنوات سجن مع الأشغال ووقتها كان زكى إبن الخامسة  من عمره وأخاه لم يزل فى عامه الأول ، وأخذت الأحداث يتذكرها  زكي تباعا ، وتذكر عندما تراكمت أجرة السكن على والدته ، ولم تستطع والدته أن تدفعها فقام صاحب السكن بطردهم إلى الشارع مع متعلقاتهم في أحد أيام شهر يناير وكان ذاك  اليوم ممطر وشديد البرودة ، لولا أن عثر عليهم رجل طيب القلب فأخذهم الي بيته وقابلتهم زوجته بكل ود و ترحاب فقدموا لهم الطعام وناموا ليلتهم 

حتى الصباح ، وكانت توجد غرفة فارغه علي سطح المنزل

فسكنوا فيها ،قام الرجل الطيب بإلحاق أم زكى بعمل في مصنع للملابس بالشارع المجاور ، ولكن سرعان ما تدهورت صحة أم زكى نتيجة اليوم  الذي كان فيه البرد قارسا والذي تم طردهم فيه من المسكن القديم ، وأصبحت ام زكى ملازمة الفراش لا تسطيع الحركة من شدة مرضها  وأخيه يبكي من شدة الجوع وما زال صغيرا في مهده ، مما أضطر زكى يخرج وهو في هذا السن للبحث عن أى شيء من أجل أن يأتي بالطبيب إلى أمه ، وبعد أن بحث طويلا واعياه التعب جلس بجوار الحائط يبكى وإذا بطفلان في مثل عمره يقتربان منه ويسألانه ما يحزنك فيخبرهم بمرض أمه  و أخيه الذي يصرخ من شدة  الجوع وهو مازال في المهد طفلا صغيرا .

    أخباراه الطفلان عن الحل وأنه  سوف يساعدهم في ذلك...

زكي : اذا ما هو الحل أخبروني أمي مريضة وتحتاج الي  طبيب وأخي يصرخ من شدة  الجوع ويحتاج الي طعام .

الطفلين: توجد صيدليه كبيره من هنا ، كل ما هنالك أنك سوف تقوم برمى زجاج الصيدلية بقطعة من الحجر وتجرى بسرعة شديده وعندما يراك  صاحب الصيدليه سوف يتبعك بسرعة ويترك الصيدليه مفتوحه . 

زكى : وماذا بعد ذلك .

الطفلان : سوف ندخل نحن الإثنان الصيدليه و نقوم بالاستيلاء علي النقود   التي في درج الخزينه ، ولكن اياك أن يمسك بك صاحب الصيدليه .

زكي : أخذ يفكر فى كلام الطفلين ، وبدأ مترددا .

الطفلان: نراك متردد فى الكلام 

زكى : بلا ، أنا متررد ، كيف أطعم أخي واعالج أمي من مال حرام.

الطفلان : هذا هو الحل الذي في أيدينا الآن ، وإن لم توافق ، فدع أمك تموت من المرض وأخوك يموت من الجوع وتكون انت السبب فى هذا.

زكى : فكر فى كلامها ووافق على مضض.

الطفلان : بعد تنفيذ ما أمرناك به سوف نتقابل بجوار سور مستشفى بولاق ابوالعلا.

زكي : موافق 

  قام الاطفال الثلاثة بتنفيذ خططهم ونجحوا في الاستيلاء على خزينة الصيدليه ، وتجمعوا في المكان الذي اتفقوا عليه ، وتم عد النقود التي سرقوها فوجدوها تسعمائة جنيها مصريا ، فقاموا بتقسيم المال بالعدل بينهما فكان نصيب كل فرد منهم ثلاثمائة جنيها ، وبعد ذلك اتفقوا أن يتقابلو بعد ثلاثة أيام ،  أخذ زكى النقود وأحضر الطبيب لأمه وبعد أن انتهى الطبيب من الكشف قال لزكى أن أمك عندها التهاب رئوي حاد ويجب العنايه بها جدا وكتب لها على حقن وادويه ، عندما هم زكى بإعطاء حق الكشف للطبيب ، رفض الطبيب أن يأخذ أجرا على ذلك مراعة لظروفهم ، فقام زكى بإحضار الادويه وعلم أن  جارتهم  تعرف في إعطاء الحقن للمريض ذهب اليها  زكى واحضرها إلى أمه ، وانتظمت أمه فى أخذ الادويه في ميعادها وتحسنت صحتها شيئا فشيئا حتى أصبحت بحاله صحيه جيده واستطاعات العوده الي العمل .

   وتقابل زكى مع الطفلين مرة اخرى ، وقالوا مادام المجتمع لفظهم ولم يحتويهم  إذا لا بد لنا أن نأخذ حقنا بطريقتنا ، وكان هذان الطفلان هما ابوشامة وحسين العتره وانضم إليهم دوده موس بعد ذلك ، وأخذوا يسرقون بعض المحلات وكذلك الأفراد ولما ارتقوا بدأوا في سرقة الشقق السكنية ، ومرت السنوات على هذا المنوال، ورغم ذلك أكمل زكى تعليمه وحصل على دبلوم التلمذة الصناعية نظام الخمس سنوات ، ولما عرفت  أمه بأمر زكى مع أصدقاءه أخذت توبخزكى و تنهاه  على أن  يجتمع بهم مرة اخري ولكن هيهات  زكى من ذلك الأمر فكذب على أمه أنه تركهم ولم يعد يجلس معهم ، ولكنه فى الحقيقة كان زكى رئيسا العصابة و هم يقومون بتنفيذ أوامره .


   وكلما تذكر زكى هذه الذكريات أخذه البكاء و نام  وهو جالس بجوار السرير  ثم سمع صوتا يناديه زكى ، زكى ، زكى ، فإذا زكي يستفيق قليلا ويقول هذا صوت امى ، وأخذ ينادى أمي أمي وإذا بالصوت يناديه أنا  هنا يا زكى. 

زكى يلتفت يمينا ويسارا لم يجد أحد  يقول هل أنا جننت أم هذه احلام اليقظه .

الصوت : انا هنا يازكى إفتخ عينيك ، ففتح زكى عينيه رأى

شبحا على هيئة أمه ، وإذ زكى يقول امي ويبكى بكاء شديدا .

الصوت :  لا تخف يا زكى أنا أمك ، ثم اقترب منها ونظر إليها فوجدها أمه .

زكى :  أمى أنت أمى حقا أنا لست نائما ، لماذا يا أمى ذهبتى أنتى و أخي و تركتمونى وحيدا .

الأم : أنت لست وحيدا يا زكى نحن معك دائما .

زكى : أخذ يجفف الدموع من عينيه وقال أين أنت الآن يا أمى و أخي أيضا .

الام : لا تقلق يا زكى نحن في احسن مكان .

زكى : أين يا أمى اخبريني . 

الأم : نحن فى الجنان عند الرحمن الرحيم .

زكى : الرحمن الرحيم ، سبحان الله ، لقد كنت غافلا عن هذا من زمن طويل أخذنى الشيطان و استولت علي نفسي .

الأم : خليك مع الله يا زكي وأخذت  تختفي شيئا فشيئا ، خليك مع الله يا زكى ، خليك مع الله يا زكى واختفت تماما . 

أخذ زكى ينادى , لا تتركيني يا أمى ثم أخذ يتذكر ذنوبه وافعاله السيئه وسمع صوتا عذبا يرتل القرآن الكريم في جوف الليل ، بسم الله الرحمن الرحيم وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.. صدق الله العظيم ، وأخذ زكى ينصت لهذا الصوت العذب وخرج من غرفته ومازلت الدموع تتساقط من عينيه باحثا عن صاحب الصوت ، وإذا بهذا الصوت يأتي من الغرفة المجاورة له ، ووقف زكي بجوار الشباك يستمع إلى تلاوة القرآن بسم الله الرحمن الرحيم ،،، والذين لا يدعون مع الله اله آخر ولا يقتلون النفس التى حرمها الله الا بالحق ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق آثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامه ويخلد فيه مهانا ، إلا من تاب وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما، ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ، صدق الله العظيم وهنا شعر زكى بقشعريره في جسده لم يشعر بها من قبل .

  بدأ زكى يتحرك رويدا رويدا تجاه هذا الصوت العذب فإذ به يقف بجوار الشباك الذي ياتى منه الصوت فنظر زكى فرأى رجلا أسود البشرة قد تجاوزا السبعين عاما بقليل وعلى وجه تجاعيد الزمن وذو لحية بيضاء خفيفه ، كفيف البصر ، لقد كان يقرأ القرآن غيابيا وهنا اندهش زكى لذلك .

   فوجئ زكى بهذا الشيخ جلس على ركبتيه ورفع يده إلى السماء يقول ...

لبست ثوب الرجال والناس قد رقدوا.

 وبت أشكو الى مولاي ما أجد .

و قلت يا أملى فى كل نائبة 

 ومن عليه الكشف الضر أعتمد 

اشكو اليك أمورا أنت تعلمها.

ما لى على حملها صبر ولا جلد .

وقد مدت يدى بالذل مفتقرا.   اليك يا خير من مدت له يد .

فلا تردها  يارب خائبة.

 فبحر جودك يروى كل من يرد


  كلما استمع زكى إلى الشيخ وهو يردد هذه كلمات تأخذه رجفة فى جسده وسار حتى أتى باب الغرفه وهم أن يدق على الباب وإذا بالصوت ينادى عليه ويقول ادخل يا زكى . 

   هنا ارتجف زكى وقال من أين  عرف ذلك الشيخ أسمى ولم نتقابل من قبل ، ثم مرة أخرى نادي الصوت من الداخل ادخل يا زكى  فدخل زكى الغرفه وبها اضاءه بسيطه تكاد ترى الشخص الذي أمامك ومازل الشيخ يجلس متوركا على ركبتيه ، فجلس زكى نفس جلسة الشيخ ثم قال الشيخ ...

الشيخ : مرحبا بك يازكى

زكى : ولكن من أين عرفت أسمى أيها الشيخ .

الشيخ :  يا ولدى من سار في معية الله تاركا وراءه الدنيا بزخرفها وزينتها وكان فى طاعة الله بجسده  وروحه وصبر على ابتلاءات الدنيا واحتسب صبره 

 عند الله ، فيكون فى رحمة الله وعلمه الله ما لم يكن   يعلم وكان فضل الله عليه عظيما .

زكى : أيها الشيخ   وأنا الذى فيه ، ماذا علي أن أفعل ؟ 

الشيخ :  يا زكى أنت الذى فيه هو نقطة تحول لك ، فانظر  يا زكى أي طريق تختار. 

زكي :  أي طريق أختار أيها الشيخ ، أي طريق اختار، أي,  أي طريق أختار ، والشيخ صمت ولم يرد عليه .

  وأخذ يردد أي طريق أختار وإذ يسمع صوت آذان الفجر الله اكبر ، الله اكبر وينظر زكى الي السماء بعينيه التى تبحث عن الإجابة ، إذا هذا هو الطريق .

  نهض الشيخ من مكانه وأخذ زكى  وذهبوا إلى  مسجد سيدي سلامه الراضي من أجل أداء صلاة الفجر ، وكانت هذه المره الثانية يدخل فيها زكى المسجد غير المرة الذى دخل المسجد من أجل صلاة الجنازه على أمه وأخيه. 


والى الجزء التالي باذن الله


القاهرة 

12/11/2025

رمضان عبد الباري عبد الكريم 

شاعر وكاتب روائي

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :