نور لا ينطفئ
يا لهذا القلب… كم يشبه نافذةً تُفتح رغم العواصف، وكم ينهض رغم الانكسارات كأن الألم لم يمرّ عليه يومًا. يمشي في طرقٍ لم يخترها، ويبتسم في وجوهٍ لم تحفظ ملامحه، ويسامح أخطاءً ما كان يجب أن تُغتفر… ومع ذلك، يظل ينبض، يتمسّك بخيط نورٍ واحد وسط ظلامٍ يزدحم حوله.
أجلس أحيانًا أمام نفسي وكأنني أقف أمام غريبٍ أعرفه ولا أعرفه…
أسأله: كيف تحملت؟
كيف ظللت واقفًا حين سقطت كل الأشياء من حولك؟
كيف بقيت طيبًا رغم أن الحياة لم تكن يومًا ناعمة بين يديك؟
فتبتسم النفس، وتقول بصوتٍ لا يسمعه غيري:
"لأنني خُلقتُ لأُقاوم… ولأن الله لم يتركني يومًا، ولأن بعض الوجع خُلق ليعلّمنا كيف نصبح أقوى، وكيف نرى رحمة السماء في أدق التفاصيل."
في كل ليلة أعود إلى ذاتي كما يعود المسافر المتعب إلى بيته…
أفتّش بين ثنايا ذاكرتي عن لحظة دفء نسيتها، عن كلمة صادقة ضاعت بين ضجيج الناس، عن حلم قديم ما زال يلوّح لي من بعيد.
أجد الخيبات تتكدس، والأحلام تتبعثر، والوجوه التي مرّت تترك أثرًا يشبه الغبار… ولكنّي رغم كل ذلك أبتسم.
أبتسم لأنني أدركت أخيرًا أنّ قيمة الإنسان ليست فيما فقده، بل فيما استطاع أن ينهض بعده.
أن القوة ليست صراخًا ولا قسوة، بل أن تظل قلبًا حيًا بعد أن حاول العالم مرارًا أن يطفئك.
أن الطيبة ليست ضعفًا، بل شجاعة أكبر مما يتصورون.
ما أجمل أن نحمل داخلنا نورًا لا يراه أحد، لكنه يكفينا…
ما أجمل أن نعرف أن الطريق طويل، لكنه لنا…
أن الخطوات ثقيلة، لكنها تقرّبنا من أنفسنا…
أن الله يمسك بقلوبنا حين نظن أننا انتهينا.
وهكذا…
نمضي، لا نعرف إلى أين، لكننا نثق أن النهاية ستكون أجمل مما توقعنا.
نمضي، نحمل جراحنا كأوسمة، ونحمل أحلامنا كأجنحة.
نمضي، لأن الاستسلام ليس في قاموس أرواح خُلقت من نور.
وكلما ضاقت الأرض، وسقطت الكلمات من أفواهنا، واشتدّ الليل فوق صدورنا…
نجد فجأة بابًا مفتوحًا من حيث لا نحتسب، وهمسًا من السماء يقول لنا بلطفٍ عجيب:
"اصبر… ما زال في الطريق نور، وما زالت لك في الحياة أيام لم تُكتب بعد."
بقلم / مقبول عزالدين