حارس الجبل ..
مات إخوتي ؛
حزنتُ كجميع المفجوعين ،
مات والدي
حزنتُ أكثر ،
ماتت أعز صديقاتي ؛
بكيتُ من ألم الفراق ،
ثم كانت الضّربة القاضية ؛
مات زوجي العزيز
في عِزّ شبابه ..
لم أبكي ؛
نضب الدمع في عيوني
لم أحزن ؛
تبخَّر الحزن ..
حَملتُ ما تبقَّى من حطامي
قصدتُ الرصيف
أنتظر سفينة تحملني
للضفة الأخرى'
قيل لي :
إن بها ما فوق الحزن ..
جاء رئيس الميناء ، أخبرني :
تعرضت السفينة
لعاصفة هوجاء
في عرض البحر ..
غًرِقَت ..
أصبتُ بإحباط شديد ..
قصدتُ الجبل الذي
يراقب مآسينا
و كُلّي عَزم أن أتردَّى' من قِمَّته ؛
لتختفي كل الشظايا المُتبقية
داخل ذاتي التعيسة ..
فجأة ؛ برز أمامي
شيخ وقور
يحمل على ظهره
أثقال عمر مديد ،
حفرت تجاعيد السنين
في وجهه أخاديد ..
قال : لا تُلقي بنفسك
في الهاوية يا صغيرتي ؛
ليس في الأعماق إلا
الذئاب و الثعابين ..
قلت : كرهتُ الحياة ،
في الموت سعادة أبدية ..
إفترَّت شفتاه عن إبتسامة غامضة ،
قال : لا سعادة في الهاوية ،
و لا شئ بعد الموت ؛
فقط ؛ سُكونٌ سَرمدِي ،
و عظام نخرة ..
قلت : أَخبرُونا ...
قاطعني :
لا أحد مات
و عاد للحياة
ليُنبئَ الناس بما رأى ..
في الموت الرهيب
تكمن الحقيقة ؛
و الحقيقة خرساء صماء ..
سألته : و بماذا تنصحني
أيها الجليل ؟
أجاب : تَبَتَّلي كمريم العذراء ..
قلت : و إن فاجأني المخاض
عند جذع تلك النخلة ؟
قال : تلدين يسوع الثاني
عساه يخلص العالم
من أوزاره الثقيلة ..
قلت : حتما سيصلبوه ؟!
قال : البشرية تُصلب كل يوم
آلاف المرات ..
قريبا تَعرُجُ أرواحنا للسماء ..
قلت : و من يَصلِبنا ؟
قال : الأشرار الأقوياء ..
قلت : فإن أبادونا جميعا
فمن يُبيدهم ؟
قال : القوي الأعظم ؛
سيهشم الرؤوس الحمقاء ..
قلت : و ماذا سيحدث بعدئذ ؟
قال :
سيتَشظَّى' كوكب الأرض الجذباء ،
و تبتلعها مجرة
خارج المجرة ..
لم أعد قادرة على
مُجاراة الشيخ الوقور ..
صمتتُ عاجزة ..
ربَتَ على كتفي ،
و ضع يدي في يده ،
تحرك ، فتبعته
كهرة مطيعة ..
أخذني لمعبده
في أعلى الجبل ..
و هناك ...
فوق عباءته ..
لاطفني ، ففرحت ،
قبلني ، فضحكت ،
عانقني ..
امتزجت عواطفي
بعواطفه ..
همس في أذني :
الدموع إذا جفَّت
و الأحزان إذا تبخرت ،
و الأحاسيس إذا تبلَّدت ؛
مات فينا الإنسان ..
و احتواني في أحضانه ..
في الصباح الباكر ؛
أيقنتُ أنه تزوجني ..
إستيقظت خفيفة كريشة ،
فتحتُ باب المعبد ؛
كانت هناك مَعزة جبلية ..
حلبتُ ضرعها
في إناء من فخار ..
كان الحليب مدرارا ،
شربناه معا ..
سألني :
كيف حالك ؟
أجبته : بخير ،
عادت الدموع لعيوني
و الحزن يملأني ..
و مع ذلك أحس بالسعادة !!
قال : من لم يتألم
لن تعرف روحه السعادة أبدا ..
و سألته بدوري :
من أنت أيها الشيخ الحكيم ؟
نهض من مكانه ،
إرتدى' عباءته ،
حمل عصاه على كتفه ،
و أجابني :
أنا سَيّدُ الجبل ،
أضئ قناديل الليل
عندما تغرق المدينة
في ظلام تعاستها ..
ساق المعزة
يهُشُّ عليها بعصاه ،
و مضى' يرتادُ الجبل ..
لا زلتُ أنتظر مولودا
سيكبر يوما ،
و يضئ وجه القمر الشاحب ..
طبعا إذا لم
نندثر للأبد ..
محمد أبو حكيم
السبت ؛ 4 حزيران - يونيو 2022