السبت، 21 أكتوبر 2023

Hiamemaloha

في ضيافة الأمل للاديب عبد الحق توفيق البقالي

 *****فــــي ضـــيـــافــَـة الأمـــــل *****//نـــص قــصـــيـــــر//


كان الزمان صيفاً،والوقت ظهيرة، وكانت نسائم هواء ساحلي لطيف، تلامس وجوه المارّة، والجالسين في ساحات المقاهي، التي احتلّت كراسيها في غير ما منطق ولاقانون، كل ممرات الراجلين، التي يصعب التجرؤ على القول بأنها تندرج في خانة الملك العمومي، بحكم طول السنوات التي عاشتها الممرات ذاتها، مضمومة طوعاً أو كرهاً وبقوة الأشياء، الى هذا المقهى أوذاك... 

أغرته كثيراً هذه الجولة الماتعة ، وسط المدينة العصرية الحديثة، فأنسته ضيق دروب المدينة القديمة، وصخب أطفالها، ورطوبة جدرانها، وبؤس وبساطة، الكثير من قاطنيها... ونتانة الروائح المنبعثة من فوهات بيوتها.... 

كان يحمل داخل حقيبته، شهادة الماستر التي تسلمها هذا الصباح من إدارة الكلية، وكان كلما مر بإعلان مكتوب على زجاجة واجهة متجر، أو زجاج واجهة مقهى... دنا منه ليقرأ مافيه، علّه يكون متعلقاً بإعلان عن مباراة أو عرض شغل...مشى منشغلاً بالتفكير في محور أطروحة الدكتوراة، التي ينوي التعجيل بإنجازها... نام يقظاً ،يتخيل نفسه أستاذا محاضراً متنقلاً بين كبريات الجامعات العلمية الدولية... استرعى انتباهه منشور، وهو يمر قبالة مطعم عصري فخم،كان المنشور كبيراً،ومكتوب بخط ذهبي... اعتقد جازماً أنها فرصة شغل معروضة في كامل بيان ووضوح... اقترب من الواجهة، فإذا به مجرد إعلان يهم تخصص ذات المطعم في أكلات آسيوية جديدة....سيعمل على إعدادها في كامل إتقان ،طباخون مهرة، مستقدمون من آسيا، يقول محتوى المنشور المذكور... 

وراء زجاج الواجهة، كان ينظر الى زبناء من مختلف الجنسيات، يتناولون أكلات مختلفة، يقدمها نواذل وناذلات ،يرتدون بذلات وقبعات في كامل التناسق، ويوزعون ابتسامات عريضة على ضيوف المطعم، في محاولة للمزيد من تجويد الخدمة طبعاً....

 بقي مشدوداً الى أكلات يسترق النظر اليها من وراء زجاج الواجهة، دون أن يعرف أصولها ومكوناتها.،كان يتخيل مذاقاتها، ويخالها رائعة من دون شك... عاش لحظات يمسح شفتيه بلسانه جيئةً وذهاباً...تمنّى جلسةً وسط القوم، يحظى فيها بتلك الوجبة المقابلة له، والتي يتناولها شخصان، يبدوان في كامل انشراح:  شابة حسناء وشقراء ،تبدو أمريكية الأصل، وشاب بملامح فلسطينية، تعلو عينيه نظارات طبية، يشبه كثيراً الراحل محمود درويش... 

أمامهما وجبة أساسية غير معلومة الأسم، محفوفة بحديقة سـَلـَطة، مـُـزيـّنـَة بفواكه آسيوية...

 تمنى لو يستطيع التسلل الى هذا المطعم المحروس بشدة، فقط ليباشر إطلالة عن قرب لتلك الوجبة... أحس بأنه لم يعد يتحكم في لعابه.... تحرك متحسراً من أمام الواجهة... داعب وجنتيه النسيم البحري اللطيف، غادر طنـِيـنُُ مزعج طبلتي أذنيه...أحس كأنه يستفيق من حلم، فانخرط في ضحك هستيري، وهو يلوم نفسه : كم أنت غبي ياأنا!!!  أيعقل أن أختزل كلّ الطموحات والآمال والأحلام في التملّي برؤية وجبة أكل، أو إشباع البطن منها... ؟؟؟!!.قهقه عالياً ،وهو يصيح في داخله... قبّح الله البؤس... ولعن الله الحرمان... انظر كيف يـُضيـّـقان من فسحات الطموحات والآمال... 

مشى مهرولاً صوب دروب المدينة القديمة، وهو يجدّد إيمانه بقدراته العلمية، ويصوغ تصورات لتحقيق طموحاته الجامعية العليا.. 

ضاع وسط زحام المارة، وهو يردد صامتاً سأكون كذلك.... سأجول  مختلف جامعات العالم محاضرا مرموقاً في مستجدات علوم الأوبئة..... وقد أكون زبوناً دائماً لذاك المطعم اللعين..... 


                                                    *****عبد الحق توفيق البقالي. *****

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :