**مذاق بطعم المساء**
على غصنٍ تَيَبّستْ أطرافه
تحتضر في صمت
وهي ترمق وجه الخريف الحزين
تناجي مساء فقد أحد عكّازيه.. أنا أو احمرار الشّفق
تلبّدَ لونه الشّبقيّ
وصار إلى القتامة أقرب
نشَرْتُ آخر أوراقي الخريفيّة
ورتّقتُ ثقوب غربالي
لكي لا تسقط آخر عناقيدي في دياجير النسيان
شغفي -كما الغصن والمساء- صار ضبابيّا
وسُبُلي العموديّة العريضة ضاقت
وأضحتْ أزقّقة لا تحتمل ضجيج الثرثرة
ولكنّني في طنين اللغة غارق حتى أذنيّ
غارق من قمّتي التي لا أراها حتى أخمص قدميّ
شغفي ترهّل
واسْتُبيحَتْ ذاكرتي
ودفاتري غزا مفرقيها الشيب
وحدائقي الخلفيّة اعتراها الكساد
ترمّلت في عمرها الفتيّ
وتهدّمت أسوارها كمدا
ولم يعد يعنيني أن يُشنق المساء بأهداب غانية لعوب
ولم يعد يرهبني تَكَسُّرُ الموج العاتي على جدار ضمير ميّت لن يتوب
ولم يعد حَوَرُ عينيكِ يعرّيني كما الوليد
فأصلبُ لأبكي
وتغشاني دهشة الخلق
البكاء طلسم وجوديّ غاية في التناقض
نعشق فنبكي
ونشتاق فنبكي
ونحزن فنبكي
نبكي أيضا بلا سبب
ونمضي وكأنّ شيئا لم يقع بلا عتب
ونثمل حتى النخاع
بضاعتنا كسدت .. لا تشترى ولا تباع
جِمَالُ برّوطة تقدَّمُ قرابين لأسطورة حاجّ فقد خاتمه
خطوط التماس بين شبه الجزيرة والقيروان أصبحت مسافة إصبع
وصدّقوا الحكاية
ونسجوا الرواية
وسرقوا حرية الإبل
كلّنا علّقنا على صُلبان الأفكار المجنونة
وسرنا -أحيانا ودون وعي- في طابور طويل بنفوس مفتونة
هل يموت من استنشق رحيق اللغة في شهقته الأولى؟
نحن أبناء القصيد
وإرث المجاز التّليد
نحلّق بأجنحة حلم
فنبني خيامنا مجرّة تلد شمسا جديدة
تجفّف الأسطح العارية
ونوزّع التين المجفّف على الصبية في ليالي السّمر
ونجالس في وحدتنا نور القمر
لست سوى رقم ... أبها العمر
الفكرة واللسان توأمان لا ينفصلان
حينما كانت الكلمة كان البدء
وبدأ الخلق
بقلم : الأستاذ عبد الستار الخديمي -تونس