الجمعة، 16 أغسطس 2024

Hiamemaloha

ق.ق هذا الرجل يعجبني للكاتب عبده داود

 15/8/2024

ق.ق

هذا الرجل يعجبني  

في الأيام الدافئة، يستهويني التنزه في الحدائق، حين يكون الطقس جميلاً، وخاصة في الربيع،  اتمتع بدفء أشعة الشمس الربيعية،  واستنشاق عطر الزهور... 

احد الأيام، كانت الطبيعة تنادي عشاقها حتى يتمتعوا  في ربوعها... فلبيت الدعوة، وذهبت إلى  الحديقة الكبيرة.

هناك صادفت  صبية  أمامها منصب لوحة رسم،  وهي منهمكة بفرش اللوحة بالألوان ، أنا لست فضولياً، 

 لكن هذه المرة وقفت خلف شجرة قريبة متخفيا أراقب الرسامة الجميلة، التي راقني جمالها وأنوثتها و اعجبتني وهي تفرش الألوان على اللوحة بصورة عشوائية...

لاحظتني أسرق النظر إلى عملها، نادتني  وبادرتني بالسؤال،  هل حضرتك رسام؟

 قلت: أعتذر  لمراقبتك،  شكرا للسؤال، أنا لا أجيد الرسم،  وحتى أكون صادقا معك، ولا أجرح شعورك، أنا لا أحب هذا النوع من الرسم الذي تسمونه الفن الحديث... إذا كان يحق لنا   أصلا أن نسميه فناً جديثا... 

عندما أتمعن النظر في لوحات الرسم  المعاصر، أجد صعوبة في فهمها، حتى ولو كان لها معنى فهي لا تروقني ، حتى تلك اللوحات التي يشيد بروعتها النقاد، لا تعنيني ولا أحبها، وعلى سبيل المثال ﻻ الحصر،  لوحة بيكاسو المشهورة  (غرنيقا) التي يعتبرها النقاد قمة  المدرسة التكعيبية...

أنا لا تعجبني ،ربما التكوين اللوني فيها جميل متناغم،  ربما هي تحفة عالمية فريدة. لكن أنا لا أحبها. وهذا من حقي.

 أنا برأيي الرسامون الحديثون  يشوهون الجمال بأعمالهم تحت مسميات الفن الحديث المعاصر...

ربما هو معاصر فعلاً، لأنه ينقل صورة المجتمعات  المعاصرة  المتسارعة اللاهثة. التي تتخبط في كل الاتجاهات، ويا للأسف  وسائل الإعلام ساهمت  في تشويه عقول الناس بأفكار غالبا مسيسة مخادعة... وأضحى الرسم  وليداً  لتلك الفوضى  الفكرية  التي تسود العالم، كل العالم...

 أنا تعجبني الرسومات التي تنقل لنا صور الواقع فتجعله ناطقا، جميلا، مبهرا، ممتعا، لا طلاسم لا معنى لها... 

المشكلة  رساموا الحداثة، يعتبون علينا لعدم الغوص في أعماق لوحاتهم  وقراءة  معانيهم المفقودة خلف ألوانهم،

أنا شخصيا  يعجبني الرسامون الكلاسيكيون  الذين ساهموا في بناء  عصر النهضة أمثال مايكل أنجلو، ليوناردو دافنشي، وأمثالهم الواقعيين... ولا أرى جمالا ولا موهبة  في لوحات الفن الحديث، هو غالبا ليس له معنى، ربما هو دعوة للإبحار في عالم الإستنتاجات البعيدة الميتافيزيقية. وتتوه الآراء في اللوحة  ويخرج المشاهد مشوشا تائها وقد يظن بأنه فهم افكار  الرسام. وغالبا لا يفهم  ما تقوله تلك  الألوان  ، إذا كانت أصلا تقول شيئا. 

قالت: أشكرك لأنك تتكلم الصراحة كما هي، لا تجامل وتبوح: بكلمات مديح غالباً  كاذبة لا معنى لها... 

وتابعت الرسامة: أنا من رسامي المدارس المعاصرة، لأنه  كما قلت  حضرتك الفن  أبن  الزمن المعيش... والمعاصرة  مشتتة، تائه، متسارعة  في حالة لهاث مع الزمن... ومع ذلك  أنا  قادرة  على  رسم الواقع كما هو بعين الكاميرا ، عندما أريد ذلك.

 قلت مخففا حدة  انفعالي: ربما التكوينات اللونية لها سحرها تنساب عبر الفكر، وتدعونا للتفكير البعيد، واستنتاجات قد لا يقصدها الرسام  ذاته.

قالت: أتمنى أن تحضر معرضي في الخريف القادم، وأسمع رأيك، لأن الانتقادات السلبية لها إيجابياتها ايضا ، هي مفيدة إذا كانت غايتها إصلاحية لا تهكمية... وأنا معجبة بصراحتك، لكنني أنا بنت هذا الزمن، أعيش زماني... 

مر أحد  معارف الرسامة وانغمسا في التحيات والقبلات... 

وأنا غادرت ونسيت الموضوع، أصلا لم يكن  هناك موضوعاً يذكر... 

مر  الصيف  ثقيل الظل..  وجاء أيلول وأصبح الجو متقلبا مودعا القيظ،  وبدأت نسمات باردة في الصباح والمساء تنذر بقدوم البرد، وصارت  أوراق الشجر، تهاجر الأغصان،  وتكسي الشوارع بألوانها المختلفة...

 في مساء، كنت أتسكع في الشوارع ، صادفت أحد معارض الرسم،  والدعوة عامة، فدخلت كان مكتظا بالزوار... لكنني فوجئت الناس ينظرون إليّ وهم يبتسمون، ثم بدأ  بعضهم يصفق، وقلت حتما أنا  أشبه  أحد المدعوين من الشخصيات الهامة، وهممت بالخروج.

 واذ فتاة مسرعة  جاءت نحوي مبتسمة، ترحب بي بحرارة، لقد كانت  هي  الرسامة  التي قابلتها في الحديقة في الربيع الماضي...

 صافحتني بشدة، وقالت تمنيت لو سألتك عنوانك عندما تقابلنا، حتى أرسل لك بطاقة دعوة، وأحببت أن أرسم لوحة واقعية قد تعجبك،   وسحبتني وأخذتني إلى صدر القاعة، وتفاجأت عندما شاهدت  لوحة كبيرة في صدر المعرض...

  كانت الصورة  صورتي بالذات، وأنا واقف بجانب شجرة أسرق النظر إلى رسامة وهي تقذف الألوان على اللوحة... والشابة  في الصورة هي صورة الرسامة الواقفة أمامي الآن،

 الصورة من مدرسة الفن الكلاسيكي الأصيل، مع العلم بأن لوحات المعرض  جميعها من الفن الحديث، 

سألتني: ما رأيك؟ 

قلت:    رائعة وأكثر ...

سألتها : لكن لماذا  الناس ينظرون إلى ويبتسمون؟

قالت: لأن أسم اللوحة، هذا الرجل يعجبني. وأشارت علي، وعلى أسم اللوحة. وضحكنا،

حينها كان قلبي فارغا،  فبدأت قصة حب  جديدة في حياتي.


المؤلف: عبده داود

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :