الأحد، 18 مايو 2025

Hiamemaloha

بيننا مرآة مبللة للشاعر محمد الحسيني

 ظِلالُ مِرآةٍ مُبَلَّلَة 5

"بيْنَنَا مِرْآةٌ مُبَلَّلَةٌ"


تَدِبُّ في رُوحي حياةٌ مُختَلِفَة،

لَسْتُ مَنْ كُنْتُ قبلَ ستَّةِ أَشْهُرٍ.

الآنَ...

قَدَمايَ ثابتَتان، و... عَيْنايَ تَنْظُرانِ لِلأُفُقِ البَعِيد،

مُفَكِّرَتي لم تَعُدْ مَليئَةً بِمَواعيدِ العِلاج،

بَلْ مَواعيدُ حياةٍ يَحْتَضِنُها الأمل.


أَجْمَعُ كُلَّ أَلْوانٍ مُتَناثِرَة،

رِيشَةُ لَوْحَةٍ جَديدة،

وأَتَنَفَّسُ هَوَاءَ الصَّباحِ دُونَ ثِقَلِ الأَمْس،

لا أَبحَثُ في وُجُوهِ المارَّةِ عَن وَجْهِهِ،

ولا... أَتَلَمَّسُ في كَلامِ الغُرَباءِ وَجْهَ مُعالِجِي.

أَصبَحْتُ أَنا مِرآةً بِذَاتِها، تَتَلَمَّسُ الحُرُوفَ وَتَبْتَسِم.


حينَ يَأتي الحُزْنُ أَحيانًا، لا أَرتَبِك،

لا أَهْرُبُ منه بِأَذْرُعٍ خَيالِيَّة،

بَل أُعِدُّ لَهُ القَهْوَة، وأَجْلِسُ مَعَهُ كَصَدِيقٍ قَدِيم، ثُمَّ أُتْرِكُهُ يَرْحَل.

أَمتَلِئُ مِنْ ظِلالِهِ الدَّرْسَ وَالحِكْمَة... وَأُتْرِكُهُ يَرْحَل.

وَهٰذا ما تَعَلَّمْتُهُ: "لا شَيْءَ يَبْقَى، حَتّى الأَلَم."


أَعودُ إلى المُوسِيقَى الَّتِي هَجَرْتُها،

أُلامِسُ أَوتارَها بِأَغْصانٍ واثِقَة،

وأَتَذَكَّرُ قَولَهُ:

"قَد تَكونُ جِراحُنا عَتَباتِ عُبورٍ نَحوَ إِبداع."

أَخْرُجُ مِنْ عُزلَتِي، أَتَواصَلُ مَعَ أَصْدِقاءٍ قُدامى،

أَفْرَحُ لِفَرَحِهِم دُونَ حَسَد، وأُواسِي أَحْزانَهُمْ دُونَ الغَرَق.


رَأَيْتُهُ بِالصُّدْفَةِ في مَعْرِضِ كِتاب،

كانَ يَتَصَفَّحُ مَخْطوطَةً عَنِ التَّحْلِيلِ النَّفْسِي،

تَأَمَّلْتُهُ لَحَظات...

الآنَ نَظَراتي مُحايِدَةٌ وخالِيَةٌ مِنَ الاضْطِراب،

تَبادَلْنا ابْتِساماتٍ هادِئَةً، و..."كَيْفَ الحال؟"

بِصَوْتِ المُعالِجِ الرَّصين،

"بِخَيْرٍ حَقِيقِيّ..." أَجَبْتُه: "شُكْرًا لَك."


في العِيادَةِ نَفْسِها، وَعَلَى الكُرْسِي نَفْسِه،

يَجْلِسُ المُعالِجُ مُسْتَقْبِلًا رُوحًا جَديدَة،

امرأةٌ خائِفَةٌ تَدْخُلُ بِخُطى مُتَرَدِّدَة،

تَحْمِلُها حَقِيبَةُ أَعْباءِ ماضِيها،

وَعَيْنانِ باحِثَتانِ عَنْ طَوْقِ نَجاة،

لِيَسْتَمِرَّ دَوَرانُ العَجَلَةِ في كِتابِ "شِفاءٍ إنْسانيّ."


أَعْرِفُ أَنَّهُ الآنَ يُراقِبُ خُطُواتِها المُتَرَدِّدَة،

وَيَعْرِفُ أَنَّهُ مِرآةٌ لَها، كَما كانَ لِغَيْرِها.

سَيَحْمِلُ آلامَها دُونَ أَنْ تُثْقِلَ كَاهِلَه،

وَسَيُرْشِدُها نَحوَ النُّورِ المُخَبَّإِ في ذاتِها.

وَيَتَذَكَّرُ بِصَمْتٍ... كُلَّ مَنْ مَرُّوا،

قِصَّةُ شِفاءٍ قَدْ أَضاءَتْ شَمْعَةً مِنْ رُوحِهِ،

وَنِهايَةٌ... هِيَ بِدايَةٌ أُخْرَى لِشَخْصٍ آخَر.


المَرَايَا لا تَحْتَفِظُ بِالصُّوَرِ الَّتِي تَعْكِسُها،

لَكِنَّها... تُجْهِزُنا لِنَرَى الصُّورَةَ أَوْضَح.

هُوَ يَمْضِي في رِحْلَتِهِ... مِرآةً بَعْدَ مِرآة،

وَهِيَ تَمْضِي في طَرِيقِها... خُطْوَةً تِلْوَ خُطْوَة،

مُتَباعدَيْن، مُتَّصِلَيْنَ بِخَيْطٍ غَيْرِ مَرْئِيّ،

ظُلْمَةٌ وَنُور، أَلَمٌ وَشِفَاء،

فِي رِحْلَةِ حُبٍّ إِنْسَانِيٍّ لا تَنْتَهِي أَبَدًا.


( محمد الحسيني)


Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :