كَسْرَةُ الضَّوْءِ الأَخِيرَةُ 2
"حِينَ نَادَانِي الصَّغِيرُ"
يَصْعَدُ كَمَنْ يَصْعَدُ سُلَّمًا مِنْ هَوَاءٍ،
كُلُّ دَرَجَةٍ تَفْتَحُ بَابًا أَمَامَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ تُغْلِقُهُ خَلْفَهُ.
الضِّحْكَةُ نَبْضَةٌ،
تَقْتَرِبُ أَوْ تَبْتَعِدُ...
وَتُرَدِّدُ ذَاتَهُ بَيْنَ المُصَارَحَةِ وَالغَفْلَةِ،
حَيْثُ هُنَاكَ، فِي المَمَرِّ الضَّيِّقِ،
بَابُ غُرْفَتِهِ القَدِيمَةِ...
وَفِي نِصْفِ إِغْمَاضَةٍ يَتَسَرَّبُ ضَوْءٌ
أَصْفَرُ... دَافِئٌ... كَأَنَّهُ بَقَايَا شَمْسٍ نَسِيَهَا الغُرُوبُ خَلْفَهُ.
تَتَرَدَّدُ الخُطْوَةُ حِينَ يَقْتَرِبُ مِنَ البَابِ خُطْوَةً...
بِشَيْءٍ يَضْرِبُ طُبُولَ الذِّكْرَى،
لِتَتَكَسَّرَ دَوَاخِلُهُ مَوْجَاتٌ تَحِنُّ لِشَاطِئٍ قَدِيمٍ.
يَضَعُ عَيْنًا عَلَى الفُتْحَةِ الصَّغِيرَةِ... وَهُنَاكَ:
طِفْلُ السَّابِعَةِ عَلَى السَّجَّادَةِ الحَمْرَاءِ،
نَفْسُ السَّجَّادَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْضُنُ أَحْلَامَهُ...
يَلْعَبُ بِمُكَعَّبَاتٍ خَشَبِيَّةٍ،
وَيَبْنِي قُصُورًا مِنَ الأُمْنِيَاتِ.
الطِّفْلُ بِبِيجَامَتِهِ الزَّرْقَاءِ الَّتِي... طَالَمَا أَحَبَّهَا
قَبْلَ أَنْ يَكْبُرَ وَيَكْرَهَهَا،
شَعْرُهُ الأَشْقَرُ مُبَعْثَرٌ عَلَى جَبِينِهِ...
وَيَسْتَغْرِقُ فِي تَأَمُّلِ طِفْلِهِ كَمَا لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مِنْ عُقُودٍ.
يُرَاقِبُهُ،
كَمَا يُرَاقِبُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ فِي مِرْآةِ مَاضِيهِ،
فِيمَا الطِّفْلُ مُنْغَمِسٌ فِي اللَّعِبِ... لَا يَشْعُرُ بِوُجُودِهِ،
يُحَدِّثُ مُكَعَّبَاتِهِ بِصَوْتٍ رَقِيقٍ:
"هُنَا سَيَسْكُنُ الأَمِيرُ الصَّغِيرُ، وَهُنَا... سَتَكُونُ حَدِيقَةُ الأَحْلَامِ."
تَخْتَرِقُهُ الكَلِمَاتُ كَأَسْهُمٍ مِنْ حَنِينٍ،
وَيَتَذَكَّرُ... كَمْ كَانَ يَحْلُمُ
أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا صَغِيرًا فِي قَصْرٍ مُحَاطٍ بِالحُبِّ وَالأَمَانِ.
يَلْتَفِتُ الطِّفْلُ،
يَنْظُرُ مُبَاشَرَةً نَحْوَ البَابِ،
نَحْوَ عَيْنَيْهِ المُخْتَبِئَتَيْنِ خَلْفَ الشَّقِّ الصَّغِيرِ...
وَيَبْتَسِمُ...
يَبْتَسِمُ ابْتِسَامَةً تَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ،
وَكَالهَمْسِ المَسْمُوعِ:
"أَعْرِفُ أَنَّكَ هُنَاكَ...
تَعَالَ، لِمَ لَا تَدْخُل؟"
يَتَرَاجَعُ بِخُطْوَةٍ مَذْعُورَةٍ،
كَيْفَ؟
كَيْفَ رَآهُ؟ وَكَيْفَ عَرَفَ أَنَّهُ هُنَاكَ؟
أَوَكَانَ يَنْظُرُ وَيَنْتَظِرُ؟
يَقِفُ الطِّفْلُ وَيَتَّجِهُ نَحْوَ البَابِ...
صَوْتُ خُطُوَاتِهِ الصَّغِيرَةِ تَقْتَرِبُ كَأَنَّهَا نَبْضٌ
أَوْ كَقَطَرَاتِ مَطَرٍ عَلَى زُجَاجِ ذَاكِرَةٍ.
"تَعَالَ إِلَيَّ، حَبِيبِي...
لَا تَخَفْ،
أُرِيدُ أَنْ أُرِيكَ القَصْرَ الَّذِي بَنَيْتُهُ فِي غِيَابِكَ.
أَتَذْكُرُ؟... كَمْ كُنَّا نَحْلُمُ مَعًا؟"
يَفْتَحُ بَابَ غُرْفَتِهِ بِبُطْءٍ،
لِيَنْسَكِبَ ضَوْءٌ أَصْفَرُ فِي المَمَرِّ...
يَقِفُ الطِّفْلُ حَقِيقِيًّا،
لِيَمُدَّ يَدَهُ الصَّغِيرَةَ مُرَحِّبًا:
"أَهْلًا بِكَ... فِي البَيْتِ."
(مُحَمَّدُ الحُسَيْنِي)