الأربعاء، 23 يوليو 2025

Hiamemaloha

الضوء الأخير قبل القطع للشاعر حميد العادلي

 الضوء الأخير قبل القطع


جلست أمام المرآة،

كمن يتهيأ لاستدعاء ساحرة قديمة.

فتحت أدوات زينتها واحدة تلو الأخرى،

كأنها تفتح صناديق أسرار دفينة.

وضعت المساحيق الفاخرة:

الأخضر فوق جفنيها كظلّ غابة استوائية،

الأسود ينساب على رموشها كثعابين ليلية،

والأحمر يتورد على خدّيها كما لو أن شمسًا صغيرة انفجرت تحت الجلد.

لبست بنطال الجينز،

ذلك الذي يشبه جلد نمر هادئ،

وقميصها الزهري بدا كحقل أزهار مهجور في لوحة سوريالية.

رشت جسدها بوابل من العطور الفرنسية،

عطور لم تُصنَع من زهور، بل من ذكريات نساء عابرات في أفلام قديمة.

تطلعت في المرآة طويلاً،

كأنها تنتظر أن تُجيبها صورة أخرى ليست صورتها.

أضافت شيئًا،

مسحت آخر،

ثم اختالت أمام نفسها ذهابًا وإيابًا،

كطاووس هندي يتذكّر فجأة أنه ملك الغابة.

وفي المطعم العراقي الوحيد في المدينة ،

حيث الطاولة من خشب الساج،

جلسوا كأنهما تلميذان في أول درس من دروس الكيمياء العاطفية.

بدأ الحوار هادئًا،

نُكات مؤدبة،

مبادرات حذرة،

ودون تلامس الأيادي،

كما لو أن الهواء بينهما كان حيًّا لا يسمح بالاقتراب.

ولكي يُظهر نفسه،

تحدث عن السياسة كأنه جنرال متقاعد،

وعن الموضة كما لو أنه من صمّم أجمل الفساتين،

وعن كرة القدم كما لو أنه سجّل هدف الانتصار في نهائي كأس العالم.

عندها، اقتربت يداها لا إراديًا،

تعانقت روحها مع روح هذا "الهيرو الخارق"،

شعرت كأن جمجمتها تطفو في سائل دافئ من الضوء،

وأن قلبها يعزف لحنًا لا يعرفه أحد إلا السماء.

لكن...

جاء صوت المخرج الأجش،

مثقلاً برائحة التبغ الرخيص والضجر،

صرخ:

"اقطع!.. أعِد!.. أعِد!.."


انهار المشهد،

انكسرت اللحظة،

تبعثرت الشهوة في أروقة الاستوديو،

وعادت هي إلى المرآة…

تبحث من جديد عن تلك المرأة التي لم تُخلق بعد.


حميد العادلي 

العراق

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :