الطريق إلى لا أحد
لم يكن حسن يحلم بمغادرة وطنه..فلسطين..ولا مغادره مدينته...مدينة اللد..
كانت لديه غرفة صغيرة فيها نافذة تطل على شجرة جميز،
وسبورة يكتب عليها أحلام طلابه.
لكنه الآن يجلس على بطانية رطبة في مخيم، يطالع وجوهًا مجهولة، ويحتضن مفتاح بيته القديم كأنه آخر أثر من حياة ضاعت فجأة.
بدأت الرحلة في ليلة لم تكن تختلف عن غيرها، سوى أن الانفجار هذه المرة كان أقرب من القلب.
منزل الجيران تحول إلى غبار، وصوت أمه يناديه من بين الدخان:
"أمجد... وينك؟"
لم يكن القرار قرارهم.
البلد لم تعد تحتمل وجوهًا تحبها، ولا صدورًا لم تعتد حمل السلاح.
هربوا من الموت قبل الفجر، بصمت يشبه الحداد.
الأم على كرسي متحرك، الطفل نائم على كتفه، وحسن يسير بين الحفر كمن يبحث عن حدود للفراغ.
عبروا الحدود ..،
عاشوا في العراء لم يتبقى معهم الا القليل من النقود.
في المخيم، كانوا مجرد أرقام على ورقة طويلة، لا وجوه لهم، لا ماضٍ، ولا أسماء يُنطق بها.
في الليل، حين ينام الجميع، يخرج حسن من حقيبته المفتاح، ينظر إليه طويلًا، كأنما ينتظر أن يفتح له شيئًا... أي شيء.
لكن لا أبواب في الخيام، ولا جدران تحفظ الذاكرة.
في يوم ما، وبعد شهور من الانتظار، جلس في غرفة تحقيق في بلد لا يتحدث لغته.
سأله الموظف:
"من أنت؟ ومن أين أتيت؟"
تردد، ثم قال:
"أنا من هناك... لكنني هنا."
نظر إليه الرجل باستغراب، ثم كتب شيئًا في الملف، دون أن يسأله عن المفتاح المخبأ في جيبه.
سالم غنيم
حكواتي الوجدان الشعبي
من مجموعتي القصصيه
وجوه من دخان