تحية عطرة
الكذب ... بين التحريم والنسبية !
المتفق عليه أن الكذب في الشرائع السماوية ،صفة ذميمة ومشينة و حكمه الملازمِ له " التحريم " بالإجماع ، و لكن كما يقال " كل محظور مرغوب فيه " ، وكما هو معلوم في علاقات الناس ببعضهم البعض ، لا يخلو حديثهم من الإضافة والتركيب والزيادة والنقصان ، و غير ذلك مما يعتري كلام البشر سواء " استسهالا لذلك ، أم شهوة , أم لحاجة في نفس يعقوب ...!" ، وعليه ما مدى واقعية الكلام وخلوه من الإضافات ، بالرغم من حالة التدين و الإجماع على حرمة هذا الأخير ؟
الكلام في هذا الموضوع لا يرقى إلى فهوم بعض الناس ، ولا يستطيع كل من هب ودب فهمه ، فالحاصل أن كلام الناس يخضع لتجاذبات وسياقات متغيرة ، تفرض نفسها بعيدا عن " الأحكام الشرعية " شأنها شأن باقي المعاملات و غير ذلك ، لأن الأحكام الشرعية عامة وشمولية و أصل ، وأحداث الناس و بيئاتهم وتباينهم المعرفي والعقائدي والعرفي شيء آخر ، وتقعيدا على هذا الكلام ، فالملاحظ أن من يقول بحرمة الكذب فهو مصيب في ذلك ، ولكن أن يقول أنه غير شائع وغير متداول وبدرجات بشكل هرمي ( من العالم إلى الجاهل ومن الصغير إلى الكبير ) فهو كالأطرش في الزفة !
إن الكذب صفة ذميمة _ ولا ينتطح في ذلك عنزان _ ولكن سياق الحديث يقتضي إضافة أشياء وتغيير أخرى ،حفاظا على مكاسب ، أو تحقيق مرغوب ، أو خوفا من شيء ما ، أو التباسا وغير ذلك مما قد يقع في كلام الناس على اختلاف بيئاتهم وطبقاتهم ومستوياتهم المعرفية ...
تجدر الإشارة إلى البيئة التربوية ، بل المحيط الاجتماعي ككل مسؤول بشكل أو بآخر في تقرير أخلاق و أعراف ، و تحديد استهجانها و استحسانها كما هو معلوم لدى الأصوليين .
تبقى الصراحة والصدق عناصر للحفاظ على الثقة والنزاهة والابتعاد عن الشكوك والريبة وكما جاء في الأثر : " الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة " ، وهذا معيار نفسي لعلاج كل ما من شأنه أن يضع الانسان موقف " الحرج و تأنيب الضمير والندم " ...
بقلمي : أ. سيد علي تمار