ديموقراطية المرآة
كانت رواتبي تتزحلق ككرة الثلج، تتناسل الأشهر، وتتلاحق تباعا وأنا دوما في مكاني لا أبرحه، أحيانا أجدني أغير الطرقات، وألج الأزقة الضيقة، لئلا يلاحقني الجزار أو الخضار أو الصيدلي…
تجدني أقفز في الهواء كأرنب بري، أحس بعنفوان الشباب في جسدي الغض، الدماء تسري في شراييني بتؤدة، لكن شيئا ما يمنعني من الحركة. يلاحقني السعال، تقتلني التنهيدات الثقيلة، وتخنقني الزفرات الحارقة، أجدني مرغما على الرجوع نحو المنزل، أعانق عصاي وأندلف داخل الصالة الرحبة، أحبو كطفل صغير، أقترب من المرآة شيئا فشيئا، فيصيبني الذهول والفزع وأتساءل:
-أين شعري الأسود؟
-أين خدَّي المتوردين؟
أين شواربي التركية الداكنة السواد؟
دون وعي مني، ألتقط المرآة بسرعة البرق وألقي بها على الأرض فتتكسر إلى شظايا صغيرة، وأعلن للتوعن عن اجتماع طارئ مغلق يحضره جميع أفراد الأسرة، و أتخذ قرارا استثنائيا وسلطويا بمنع المرايا في كل أرجاء المنزل…
…وأخيرا تتهاوى ديموقراطيتي الضحلة في سراديب شيخوختي المبكرة…
بقلم محمد مهداوي