14/9/2024
الأب الضائع
قصة قصيرة
ماريا ووالديها كانوا يعيشون بسلام وأمان الله... الفرح كان يقطن في منزلهم.والابتسامات على ثغورهم،
جارتهم بالسكن، صديقة أم ماريا الحميمة، باعت ضميرها وذاتها للشر، أغوت الزوج وهربا معا، وضاعت أخبارهما...
لم تعد الزوجة تعرف شيئاً عن زوجها، حاولت كثيرا دونما جدوى.
الابنة ماريا حينها كانت طفلة ذات خمس سنوات، عاشت معذبة بدون أبيها، الذي كان يحبها كثيرا ويدللها، وينزهها، ويحكي لها القصص قبل نومها...
أم ماريا انسانة مؤمنة، تحملت العذاب بصمت، وربت ابنتها على محبة الله والأخلاق الحميدة.
كانت تعمل خياطة في المنزل، جاهدت، وناضلت، وتعذبت، وسهرت الليالي خلف ماكينتها، حتى ربت ابنتها وادخلتها كلية الطب...
ماريا طالبة ذكية، وجميلة ، وذات إيمان متين يمنعها من ممارسات مشبوهة خاطئة لا ترضي ربنا. حاول أصدقاؤها أن يسحبونها إلى سهرات الليل، لكن أخلاقها المبنية على الصخر، لم تقدر عواصفهم الجارفة أن تسقطها كما أسقطت بيوتاً عديدة وما فتئت تفعل.
تخرجت ماريا من كلية الطب، وتخصصت في أمراض القلب بتفوق. اختارت مستشفى جيدة، قريبة من بيتها، حتى تكون قريبة من أمها الوحيدة في المنزل، ومن مرضى القلب في قسمها التخصصي...
كانت تبذل كل ما في وسعها لتساعد مرضاها، وتعمل بكل طاقتها بمحبة صادقة مقدمة كامل خدماتها لمجد الله... كما كانت تصلي دائما تسأل الله أن يجمعها بوالدها الضائع...
كثيرا ما كانت تتذكر حكاياته وتعاتب السماء كيف لا تعيده لبيته.
تلك الليلة، هاتف موبايل ماريا كان يرن بإلحاح، استيقظت، كانت المستشفى تستعجلها، استقلت سيارتها وبأقصى سرعة كانت في غرفة العناية المشددة...
المريض كان بين الحياة والموت، ضغطه هابط، وخيوط القلب البيانية المرسومة على الشاشة المتعرجة تتباطأ... حتى أضحت تقريباً خطاً مستقيماً، لم تعد الحق الوريدية كافية، مما اضطر ماريا أن تلجأ إلى الصدمات الكهربائية، تحرك القلب. وعادت الخطوط البيانية تنبض، مسحت ماريا عرق جبينها ولمست الصليب المعلق برقبتها بحنان وتشكرت الله الذي ساعدها على أنقاذ مريضها...
كانت تكتب على طبلية المريض الخطوات العلاجية التي تمت له.تفاجأت اسم المريض مطابق لاسم والدها، اندهشت ومن الهوية الشخصية، تأكدت بأن هذا الرجل هو والدها الضائع...
هاتفت والدتها وطلبت حضورها لأمر هام وضروري
جاءت الوالدة مسرعة ملهوفة، تفاجأت بوجود صديقتها القديمة سارقة زوجها...
قالت ماريا: المريض هو أبي، وهو زوج صديقتك وأبو اولادها هؤلاء الشباب أرجوكم لا وقت لدينا للمعاتبة...
طلبت من أمها، وألحت عليها أن تقابل من كان زوجها في زمن بعيد حتى تسامحه، لأنه بين الموت والحياة...
مانعت أم ماريا بشدة الأمر، وقالت بعد كل سنوات العذاب تلك والحرمان التي عشناها أنا وأنت، اليوم تطلبين مني أن أسامحه؟ وهل تطلبين مني أيضاً أن اسامح من كانت أعز صديقاتي وسرقت زوجي؟
قالت ماريا: يا أمي ألست أنت من علمتني تعاليم المحبة، إذا لم نسامح ونغفر لمن أساء إلينا لن يسامحنا الله؟
دخلت أم ماريا إلى غرفة العناية المشددة، برفقة ابنتها والزوجة الثانية، وعيونهن غارقة بالدموع...
قالت الزوجة الثانية، الحمد لله على سلامتك، الحقيقة الفضل لابنتك هي التي انقذت حياتك... وها هي زوجتك أم ماريا، جاءت تتمنى لك الشفاء التام والعاجل.
لاحظت الدكتورة تدهور حالة المريض، وعرفت بأنه يحتضر، ذهبت وأحضرت الكاهن ، الذي صلى للمريض صلاة ما قبل الموت، وناوله من القربان المقدس لمغفرة خطاياه...
طلب الكاهن من أبو ماريا، أنت لا تزال زوج أم ماريا كنسيا، أما الزوجة الثانية لا تربطك فيها شرائع سماوية، ولا حتى قانونية،
عليك أن تختار، طريق الرب، أو طريق الخطيئة...
حرية الأختيار لك بالكامل.
كانت ماريا جالسة على كنبة بجانب السرير، ماسكة بيد أبيها تقبلها وتصلي له حتى يغفر له.
الأب ايضاً كان يبكي وتخرج الكلمات من فمه بصعوبة قال: سامحيني يا أم مارينا، سامحيني يا ابنتي.
تحت الحاح الكاهن من الرجل أن يختار واحدة من الاثنتين، مد الرجل يده إلى أم ماريا ليصافحها، مختارا الطريق الصالح والدموع تسيل من عينيه، لكنه أسلم الروح بتلك اللحظة...
بكى الجميع وخاصة ماريا لأنها عندما وجدت والدها الذي بحثت عنه طيلة عمرها، فقدته في لحظة واحدة.
كانت ثروة المرحوم كبيرة حكمت المحكمة بكامل الثروة إلى الزوجة الشرعية.،،
المال ساعد ماريا على فتح مستشفى خاص وأسمتها مستشفى ماريا التخصصي لأمراض القلب.. وخصصت قسما خاصا مجاني رحمة لروح أبيها، وراتباً معقولا لاخوتها وأمهم، وكانت تقول من كان منا بلا خطيئة فليرجم هذه المرأة.
كانت السعادة قريبة من قلوب الجميع ما عدا. أم ماريا كانت تبكي باستمرار... تعذبت مرتين عندما هرب زوجها ، وتعذبت عندما غادر الحياة.
تزوجت ماريا من طبيب قلبية كان يساعدها في علاج المرضى،
وأصبحت مستشفى ماريا التخصصي في مدريد ذات شهرة واسعة في معالجة أمراض القلب. وكان الفقراء يدعون لها بدوام الصحة وفعل الخير.
الكاتب: عبده داود