ظلمنا الحب
كانت معاناتي الأساسية أنني بمجرد النظر إليهم أتوغل إلي أعماقهم فأصل إلي بؤرهم المظلمة ، ظللت أستبعد فكرة التخاطر عن بعد التي أورثني إياها ، طوال فترة إقامتي بأغوارهم كنت أضطرب من هول ما أري وأسمع ، بدا دخولي الجنة أيسر آلاف المرات من ذبذبات همهماتهم التى تحتلني ثرثراتها صباح مساء .
رمزهم البريدي الذي ينسخ بروحي طلبات تأشيرة مرورهم بأعماقي تكتظ منه وبه عشرات الأوراق ، لا يعرفهم أحد مثلي .
أنظر بطرف عيني فأنكش غرائبهم ، أمتلئ بنفايات بنات أفكارهم فلا تعود روحي صالحة للإستخدام ، لذا كنت دائماً حريصة علي مقابلته لأفرغ سموم نفاياتهم .
عرف عني ولهي بالغوص في أعماق الناس ، سبقني في الحصول على الباسبور وتأشيرة الدخول إليهم ، لكنني تفوقت عليه في استخراج تأشيرات الخروج الآمن منهم دون أن يصيب روحي عفنهم ، وإن كان هذا لم يشفع لي في الإقامة الدائمة داخله .
كنت تلميذته الدائمة المطيعة ، تحت سطوة إلحاحي الدائم نبدأ معاً الرحلة التي تأخذنا لمناطقهم الشائكة ، رحلة لن تتعلم فنونها إلا على يد خبير قدير مثله ، شديد اللطف والحكمة ، في كل مرة وأثناء رحلة العودة أعيش واقع جديد ، لكني لا أغلق أبواب متاهاتهم أبداً حتي لا أتوه مثلهم في دروب الحياة ولا أغرق في يمها الموحش .
أسحب نفساً عميقاً وأخوض التجربة بعشق منقطع النظير ، يناديني صوته الهامس : استمتعي بكشف حقائقهم لكن حذاري أن تخدعك أعراض مرضهم الخبيث ، تمسكي بطوق الكتابة كلما شدتك الأعماق .
تنبض أناملي بحياة جديدة ، أقابل أجناساً من مختلف أنواع البشر ، أثور بينما هو يبقى متحفظ وهادئ .
منهجه سلسل ومقراراته بسيطه لكن روحه عميقه ، لا تبتلعها إغراءاتي ودهاء مناقشاتي .
أبتلع رشفات فلسفاته بعشق وأرددها بحذر قبل أن تقف في حلقي ، يصدر لي وجهات نظره فأتبناها بفهم حويط ، في البداية كان يبدو لي الأمر غاية في التعقيد ثم بعدما فتح معابر روحي بسلام لقدسية رسائله لم أعد أملك في حضرته آليات الجدل بعدما ولى الجدب .
بحماس علمني فنون الإنقلاب علي عزلتي ، لم يكن في البدء انقلاباً بالمعني المتعارف عليه ، متحمسي العنيف استطاع أن يستميلني إليه ضد ذاتي القديمة ، وجدت نفسي في حرب مفتوحة علي مصراعيها بنزاهة وحيادية ، كان حرفه العقل المدبر لأبجديتي عن طريق لاسكي لوغاريتمات تخاطره الغريب الذي لا يستطيع كائن من كان أن يقوم مقامه .
لم أر مثله طوال فترة تتلمذي علي يديه ثم كانت لحظة الفطام والانفصال التي لم أكن أحسب لها بال ، تسللت إلي أعماقه في لحظة انشغال حمقاء مني دعاوى المغرضين ، لم أكن أعلم أنها ستجد طريقها لروحه فتنزعني منه ، أحقادهم الإستعمارية بالنيل منا غلبتنا وهزمت علاقتنا ، ظلمنا الحب ، وبلغ الكبرياء منتهاه .
تشبثت ببرنامج الرحلة دونه ، رغم تكلفته المضنية ، امتلأت عناداً وتمرداً ، اعتبرت بقاء بقاياه بأعماقي لعنة يجب سرعة الاستشفاء منها فوراً ، لا يهم أن يشاركني أحلام دخولي لأعماقهم مجدداً ، تركني عمداً أغرق في بحورهم دون تفسير رجلي المراوغ الخطير ، فعل ببنات أفكاري ألاعيبه العجيبة ، وغادر الشط وتركني أستسلم لمصيري المحتوم وأستمتع بنغمات عزفه الحنون بأعماقي وتعاليمه الشفيفة التي تحتل تكويني النفسي وأبطال أبجدياتي المجنونة فتضئ روحي وتكتمل مقطوعاتها الموسيقية معلنة له ( ظلمنا الحب ) لكن سيبقي ما بيننا خالداً أبدياً يا بحر عشقي الكبير .
د/ نجوى محمد سلام
( الفراشة الحالمة )