الأربعاء، 12 نوفمبر 2025

Hiamemaloha

أنا الضمير للكاتب إدريس أبو رزق

 أنا الضمير الذي لم يعد يحتمل الصواب


أنا الضمير... الصوت الذي كنتم تسمعونه يومًا حين كانت أرواحكم أكثر نقاءً.

كنتُ النبض الخفيّ الذي يذكّركم بأن الخطأ يوجع،

وبأن الحقيقة — مهما جرحت — كانت دائمًا خلاصكم.


لكنني تعبت.

تعبت من حمل الصواب في عالمٍ يصفّق للخطأ،

من أن أكون النور الوحيد في مدينةٍ تتغذّى على الظلال،

ومن أن أذكّركم بالصدق في زمنٍ صار فيه الكذب مهارةً تُصفَّق لها الأيدي.


كنتُ أقول: لا تفعلوا.

فتضحكون، وتقولون: “الحياة تحتاج بعض الذكاء.”

وكنت أعلم أن “ذكاءكم” ليس سوى طريقة أنيقة للهرب من وخز الحقيقة.


كنتُ أحاول أن أُنقذ ما تبقّى منكم،

لكنكم كنتم تُغرقونني في مبرّراتٍ محبوكةٍ جيدًا،

تبريراتٍ تلمع كالحكمة، لكنها ليست سوى غطاءٍ للخذلان.


أنا الضمير الذي لم يعد يحتمل الصواب،

لأن الصواب بات يُستقبل كفضيحة،

ويُروى كحكايةٍ من زمنٍ ساذج.

لقد سئمتُ أن أكون الساذج الأخير في هذا العالم البارع في تبرير قسوته.


كم مرةٍ بكيتُ فيكم حين ابتسمتم للباطل؟

كم مرةٍ همستُ لكم: “هذا ليس أنتم…”

لكن ضجيج العالم غلبني،

وصار صوتي يشبه أنينًا لا أحد يُنصت إليه.


اليوم، لم أعد أصرخ.

تعلمتُ الصمت الذي يشبه الموت،

والحياد الذي يشبه الخيانة.

أراقبكم من بعيد،

تتحدثون عن القيم كما يتحدث الغرباء عن وطنٍ لم يعودوا يصدقون أنه وُجد.


لكن لا تظنّوا أنني رحلت.

أنا هنا، تحت رمادكم،

أتنفّس ببطءٍ،

وأحمل وجوهكم في ذاكرتي كما يحمل الحنين صور الذين خذلوه.


سأستيقظ فيكم ذات يومٍ،

حين تخلو الغرفة من الضجيج،

وحين يبتسم وجهكم في المرآة ولا تعرفون السبب.

سأعود كوجعٍ قديمٍ يعرف طريقه جيدًا،

كصوتٍ لا يُسمع لكنه لا يختفي أبدًا.


أنا الضمير الذي لم يعد يحتمل الصواب...

ليس لأنني فقدت الإيمان،

بل لأنني لم أجد قلبًا بعدُ

يستطيع أن يتحمّل الحقيقة دون أن ينكسر.


الكاتب : إدريس أبورزق

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :