الخميس، 25 فبراير 2021

Hiamemaloha

حديث النفس الغافلة للشاعر إدريس جوهري

 سلسلة  :  " حديث النفس " 🥀🖤

بقلم الشاعر إدريس جوهري 

الغافلة

كان موعدي مع الموت مفاجئا ، على غرار كل المواعيد ، 

يأتي بدون سابق إنذار ، مثل المرض الذي ينزل بنا ، 

أو موعد الغرام عند أول نظرة ، 

لم أكن مستعدا بعد ، للمغادرة من قطار الحياة ، 

فما زالت لدي مشاريع جديدة كتيرة ، 

أريد إنجازها ، تحقيقها ...

اتصلت بزوجتي ، و طلبت منها ، تجهيز الأمتعة 

لقضاء عطلة نهاية الأسبوع ، مع الأولاد في البادية ، 

هكذا كانت ، 

البداية و النهاية ، الفراق الأليم ... 

كان موعدي مع الموت ، 

اليوم ، بعد انتهائي من الدوام ، 

في الشارع ، مع سائق التاكسي ، 

الذي لا أعرفه ، لكنه كان يعرفني ، أكثر من نفسي ،

إحساس غريب ، يشعرني كأنه نسختي الأصلية ، 

لكن بصفائها ونقائها ، وطهارتها ، من الشوائب والمعايب ...

مثل البائع ، أو الموظفة ، التي عندما تراها لأول وهلة ، 

تشعرك أننا التقينا ، يوما ما ، 

أو كأننا تعارفنا في مكان ما ، 

كأننا نعرف بعضنا البعض ، 

إنه لقاء الأرواح ، يوم كنا عائلة واحدة ...

نعم كان السائق والراكب ، هو أنا .. " أنا " !!!

نفس الشخص ، في بعدين عالمين مختلفين ، 

اجتمعا للسفر الأخير ... 

بدأت أوراق الحياة ، تتساقط من حولي ،  

كل واحدة باسم صاحبها ، 

تعلن عن قرب الأجل المحتوم ، 

تلبدت الغيوم السوداء ، في الفضاء ، 

حين اعترضتنا عجوز ، على ناصية الطريق ، 

فركبت معنا ، مدت يدها لتصافحني ، وتعانقني ، 

في حزن ، متمتمة في أذني ، بصوت خافت قائلة : 

لقد آن الأوان ، للرجوع إلى نقطة البداية و النهاية ، 

مع أحبابنا في عالم البرزخ ، 

كانت نفسي التي تحدثني ، 

وقد شاخت في دنيا الأوهام ، 

والغفلة والنسيان ، يوم تركتها لحالها ، 

دون تذكير ولا نصح ، ولا أدب ، 

بدون رقيب ولا محاسبة ، للقول والعمل ...

أصوات السماء ، تهتف في كل لحظة ، 

أو طرفة عين ، أو ومض برق ، 

لاستقبال روح إنسانية جديدة ، 

لتسكن عالمها النوراني ، 

بعد أن تركت ثيابها الترابية ، 

حيث الخراب في بيوت الأشباح ...

كأني لم ألبث فيها ، إلا بضعة أيام ، أو دقائق معدودة ، 

نسيت أني ضيف ، لأجل محدود ، 

بعثت لمهمة ، أو مقاصد ، غايات سامية ، 

ترقيني في عالم الملكوت ، 

كي أبقى على صلة واتصال دائم بموطني ، 

وأستمد المدد ، والعون من السماء ، 

لكن بحار الشهوات والمغريات ، والمفاتن 

سلبتني رشدي ، سرقت مني صحتي ، وقتي راحتي ، 

انطفأت أنوار قلبي ، وأظلمت مصابيح الهدى ، 

والصلاح والإنسانية ، صارت جوارحي ، تلهو تلعب ، 

تجري وراء الملذات ، على أوتار الطمع ، والسكر والمجون ...

عقلي تعطل ، توقف عن النمو والتجديد ،  والاجتهاد ، 

أصبح مخدرا ، مغيبا ، ملوثا ، 

مسجونا في مكتبة الاتباع والتقليد ، والجهل ...

قلبي في مستشفى المجانين ،

مع أهل الهوى ، سكران حيران ، 

جريح ، ينزف دما ، كيف السبيل لعلاجه ، 

فالطاقم الطبي في عطلة دائمة ، مع نفسي ، 

ذهبوا إلى مستنقعات المال و السلطة و اللذة ، 

يبنون المدن ،  ويشيدون القصور ، ويرقصون ...

لكن نسيت ، 

أني على موعد مع الموت ، 

هذه الليلة ، 

هكذا اتفقنا عند دخولي 

أول مرة ،  إلى مطار الحياة ، 

فالطائرة على وشك الإقلاع ، 

مازال صوت المنادي يهتف ، يناديني ،  

يذكرني ، لتسجيل أمتعتي ، للمغادرة 

لم أسمعه ، ولم أستوعب تلك الأصوات ،  

أذناي صماء ، وجسمي ضعيف ، منهك القوى ، 

لا يقوى على الحركة ، حقائب السفر فارغة ، 

أضعت كل الأمتعة ، والزاد ، لمشقة الطريق التي تنتظرني ، 

حان الوقت للمغادرة .. الأحباب والأصحاب ، في بكاء وجزع ، 

وأنا أشاهد عرضا , لفيلم حياتي ، الذي صورته ، 

باختياري دون إجبار ، يوم بدأت كتابة ، 

الرواية الوردية ، ونسيت كيف ستكون 

خاتمة الكتاب ... " ا .. ل .. غ .. ف .. ل .. ة "🖤🖤


                 @  بقلم / إدريس جوهري . " روان بفرنسا "     

                                             25/02/21

                      'Fire Keeper (Dark Souls III FanArt)' 

                             by Cosme Lucero on Reddit

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :